فإن لفظة كن تدل على الأمر ، ولكن
المراد بها الخبر والتقرير ، والتقدير فيها يكون فيكون ، أو على أنه خبر لمبتدأ
محذوف ، أي فهو يكون ، والرأي لأبي علي الفارسي.
وهذا الباب من فرائد القرآن وبدائعه
لإثبات حقائق الأشياء دون تردد.
٢ ـ وفي ملحظ التغليب وديمومة الصفات ، وكون
الشيء جزءا من الأصل ، وأصلا في الكل المنظور إليه يبرز كل من قوله تعالى :
أ ـ ( وكانت من القانتين )
ب ـ ( إلاّ امرأته كانت من
الغابرين )
ج ـ ( فلولا أنّه كان من
المسبّحين (٤٣)
)
فبالنسبة لمريم إبنة عمران في الآية
الأولى غلب عليها صفة الذكور ، ولو لم يرد المعنى المجازي في ذلك لجاء بالأصل
الموضوع للأناث وهو القانتات ، ولكنه أطلق القانتين على الإناث من باب التغليب ، والارتفاع
بمستوى مريم الى مصاف الرجال القانتين. وما يقال هنا يقال بالنسبة « للغابرين »
فإن اللفظ موضوع للذكور المتصفين بهذا الوصف ، فإطلاقه على الإناث على غير ما وضع
له ، وإذا كان كذلك فهو مجاز.
وفي الآية الثالثة يراد بالمسبحين
المصلين ، ولما كان التسبيح أحد الأجزاء المهمة في الصلاة ، ولملازمة الصلاة
للتسبيح ، وكون التسبيح جزءا منها ، فأطلق عليها تجوزا ، والمعني الصلاة.
٣ ـ وفي ملابسة واقع الحال للشيء حتى
عاد جزءا منه ،
__________________