ذكرناها من إضافة الفعل الى الأمر ، وإن لم يأمر به ، بل أمر بضده ، لما وقع مقابلا لأمره. فسمي من كان سبب الضلال مضلا ، وإن لم يكن منه دعاء الى الضلال ، ولا الى ضده فوقع الضلال عند دعائه ، قال سبحانه : ( وإذ قال إبراهيم ربِّ اجعل هذا البلد ءامنا واجنبّني وبنيّ أن نّعبد الأصنام (٣٥) ربِّ إنّهنّ أضللن كثيرا من النّاس فمن تبعني فإنّه مني ومن عصاني فإنّك غفور رحّيم (٣٦) ) (١).
فأضاف تعالى ضلال القوم الى الأصنام إذ جعلوهم سببا لضلالهم وهي جماد ، لا يكون منها صرف عن طاعة ، ولا دعاء الى معصية.
ومما يكشف عن ذلك أن زيغ الزائغين فعل لهم ، وإزاغة الله تعالى لهم فعل له ، فإذا ثبت أن زيغهم عن الأيمان علمنا أن إزاغتهم عن الثواب ، والا لكان الفعلان واحدا ، وقد علمنا أن جهتي الفعل مختلفان » (٢).
ويمكن الرجوع في هذا الملحظ الى مبحث الخصائص العقلية فيما تقدم لإثراء هذا الجانب ، ويستند اليه والى أشباهه في ظاهرة انتشار المجاز اللغوي المرسل في القرآن واعتبار ذلك مما ينطبق جملة وتفصيلا على هذه الظاهرة.
الظاهرة الثانية : ـ
وتبرز حقائقها في مجال التصديق بالأمر ووقوعه ، واستمرارية الصفات وغلبتها ، وملابسة الوقائع بعضها لبعض ، وتأكيد بإطلاق ضده عليه ، وهنا يتوالى رصد المجاز اللغوي المرسل في التعبير القرآني :
١ ـ ففي تصديق الخبر ، وإبرام الأمر ، وحتمية الإرادة نتلمس قوله تعالى : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثمّ قال له كن فيكون (٥٩) ) (٣).
__________________
(١) إبراهيم : ٣٥ ـ ٣٦.
(٢) الشريف الرضي ، حقائق التأويل : ٥/ ٢٥ وما بعدها.
(٣) آل عمران : ٥٩.