سلامة أدائه ، ودقة
تعبيره ، واستقرار قاعدته في المسيرة البيانية واللغوية المتطورة.
إن استقراء ذيوع المجاز اللغوي المرسل ،
وسيرورة انتشاره في القرآن يمكن رصده بعدة ظواهر إيحائية ، نرصد جزءا حيويا منها
في هذا المبحث ويتكفل مبحث علاقة المجاز بالجزء الآخر منها. وهنا نقف عند ظاهرتين
إيحائيتين تضيفان على اللفظ الجاري أكثر من معناه الأولي السائر في الأذهان ؛
هاتان الظاهرتان تلتمسان باعتبارهما دلائل فنية على صدق الدعوى ، وبرمجة الموضوع ،
تلك الدلائل لا تعدو كونها إمارات وعلامات وضعت في الطريق لمن أراد الهداية
والاستزادة معا ، وليست هي كل شيء ، إذ جاءت على سبيل التمثيل لا سبيل الإحصاء
والاستقصاء ، لأنه أمر قد يتعذر الوصول اليه ، أو الوقوف عليه ، لبعد أغواره ، وتجاوز
أبعاده حد الاستيعاب.
وسيكون التماسنا لهاتين الظاهرتين مؤشرا
بارزا على سيرورة المجاز اللغوي المرسل في القرآن ، وذيوعه ، ويقاس ـ حينئذ ـ عليه
ما هو قريب اليه ، إذ لا ضرورة لاتخام الموضوع بالإضافات التي قد يتوصل اليها
الباحث بعد الإعلام.
الظاهرة الاولى : ـ وتتجلى أبعادها في
رد المتشابه من الآيات الى المحكم منه ، لحسم النزاع ورد الإشكال ، ومعالجة النصوص
في ضوء التعبير المجازي ، فلا عنت ولا تعسف ولا غلو ، ومن أمثلته الوقوف عند إزاغة
القلوب المنسوبة الى الله تعالى في كل من قوله تعالى :
أ ـ ( ربّنا لا تزغ قلوبنا
بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة أنك أنت الوهاب
* )
ب ـ ( فلمّا زاغوا ازاغ
الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين )
فقد حملت الآية الأولى على ظاهرها إزاغة القلوب له سبحانه ، بدعوى أنها إن لم تكن
منه تعالى فما معنى الدعاء بأن لا يفعلها ، وهذا ما لا يجوز عليه
__________________