سبحانه إلا على سبيل المجاز والاتساع ، لأن الله تعالى لا يضل عن الأيمان ، ولا يوقع في الضلالة والكفران ، والنظر في هذا ملحوظ بعين القبح العقلي.
وقد نصت الآية الثانية : أن الله تعالى يزيغ من زاغ ، ونسبته اليه ظاهرة.
حقا إن الاتساع في المجاز هو الذي يتجاوز هذه العقبات بيسر ، ويدرأ هذه الشبهات بمرونة.
فقد ذهب بعضهم في معنى ذلك أنه دعاء الى الله وتوجه إليه بأن : ثبتنا بألطافك ، وزد من عصمك وتوفيقك ، كي لا نزيغ بعد إذ هديتنا ، فنكون زائغين في حكمك ، ونستحق أن تسمينا بالزيغ وتدعونا به وتنسبنا إليه ، لأنه لا يجوز أن يقال :
إن الله سبحانه أزاغهم إذ سماهم بالزيغ ، وإن كانوا هم الفاعلين له ، على مجاز اللغة ، لا أنه تعالى أدخلهم في الزيغ ، وقادهم الى الاعوجاج والميل ، ولكنهم لما زاغوا عن أوامره ، وعَنِدوا ما فرض الله من فرائضه ، جاز أن يقال : قد أزاغهم كما قال سبحانه بالنسبة للسورة ( فزادتهم رجسا الى رجسهم (١٢٥) ) (١) وفيما اقتصه عن نوج عليهالسلام ( فلم يزدهم دعآءي إلاّ فرارا (٦) ) (٢) أو يكون لما منعهم ألطافه وفوائده جاز أن يقال : أنه أزاغهم مجازا ، وإن كان تعالى لم يرد إزاغتهم (٣).
ولقد وقف الشريف الرضي ( ت : ٤٠٦ هـ ) من هذه المدارك موقف الناقد الخبير ، والفاحص الرائد ، فأورد جملة من آراء العلماء في ذلك ، وأفاض برأيه بعد إيرادها ، وحملها على الاتساع في اللغة ، والمجاز من القول ، ورد المتشابه من الآي الى المحكم منها ، وذهب في هذه الآية أن لا يكون معناها محمولا على ظاهره ، لأنه يقودنا الى أن نقول : إن الله
__________________
(١) التوبة : ١٢٥.
(٢) نوح : ٦.
(٣) ظ : الشريف الرضي ، حقائق التأويل : ٥/ ١٩.