أ ـ قوله تعالى : ( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي ) (١).
لقد عبر سبحانه وتعالى عن إرادته في الكينونة المطلقة ، على سبيل المجاز بـ « قيل » وإنما هي أمر كائن لا محالة ، وكانت قرينة هذا المجاز خطاب من لا يعقل ، وهو الجماد الذي لا يخاطب « يا أرض » و « يا سماء » إذ هو ليس مما يعي الخطاب ، أو يدرك الإمثال ، فكان ذلك قرينة لفظية في دلالة هذا المجاز العقلي.
ولك أن تقول أن الله قادر على أن يخاطب الجماد ، ويجيب ذلك الجماد ، فيكون ذلك على سبيل الحقيقة ، وحتى لو حصل هذا على سبيل الإعجاز ، فلا مانع منه ، ويبقى المدرك مجازيا لأنه في العموم خطاب لمن لا يعقل ولا يجيب ولا يسمع ولا يتكلم ، وإن سمع وأجاب وأمتثل على سبيل الإعجاز.
ب ـ وفي قوله تعالى : ( فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتّخذت عليه أجرا ) (٢).
يتجلى المجاز العقلي مستشرفا إذ الجدار ليس كائنا ذا إرادة ، ولا هو بمريد شأن من يريد في الفعل أو الترك ، ولكنه البعد المجازي الذي وهب الحياة للجماد ، وأشاع الحسّ في الكائنات ، وكذلك التعبير الموحي الذي أضفى صفة من يصدر عنه الفعل على من لا يصدر عنه الفعل ، وحقيقة من يريد على من لا يريد في الأصل. وكانت قرينة هذا المجاز إرادة هذا الجماد وهو لا يريد.
وتلك طريقة العرب المثلى في هذا المنظار ، وأنشدوا للحارثي : (٣)
يرد الرمح صدر أبي براء |
|
ويرغب عن دماء بني عقيل |
فإرادة الرمح ورغبته هنا كإرادة الجدار في الآية سواء بسواء.
قال أبو عبيدة : « وليس للحائط إرادة ، ولا للموات ، ولكنه إذا كان
__________________
(١) هود : ٤٤.
(٢) الكهف : ٧٧.
(٣) ظ : أبو عبيدة ، مجاز القرآن : ١/٤١٠ ، ابن قتيبة ، تأويل مشكل القرآن : ١٣٣.