أن نسأل أعلام المحدّثين والكتاب المحدَثين ما الذي حملهم على مناقشة كثرة المروي عن ابن عباس وأخرسهم وأصمّهم وأعماهم عن كثرة المروي عن أبي هريرة؟! إنّها الإزدواجية في المعايير! وحبّذا لو أنصفوا أنفسهم قبل أن ينصفوا الآخرين ، لسلكوا طريقاً وسطا ، ولم يذهبوا في عواهن القول شططا ، فعاد أمرهم فرطا ، أبو هريرة راوية الإسلام يروي لهم ـ أو هم ـ يروون له أكثر من سبعة أضعاف ما رووه عن عبد الله بن عمرو ابن العاص ، الذي كان يقول أبو هريرة عنه : ( ما كان أحد أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مني إلاّ ما كان من عبد الله بن عمرو فإنّه كان يكتب ولا أكتب ) (١).
والآن إلى كشف الحساب عن مرويات المكثرين من الصحاب
لو أردنا مقارنة ما روي عن ابن عباس مع ما روي عن الصحابة ، فعلينا أن نجعله مع المكثرين منهم ، وهم لا يتجاوزون العشرة ، وأحاديث بعضهم تفوق جميع ما رواه العشرة ( المبشرة؟ ) بل وحتّى جميع أمهات المؤمنين غير عائشة فإنّها من المكثرين أيضاً ، وللقارئ سأذكرهم واحداً بعد الآخر حسب أرقام مروياتهم ، فمن الأكثر إلى الأقل مع تعريف بسيط بكلّ واحد منهم نتعرف من خلاله على مقدار معاشرته للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومدى إلتصاقه به ، لنتهضّم ما ذكره المحدّثون عنهم من أرقام عالية.
____________________
(١) البخاري ، كتاب العلم باب كتابة العلم ١ / ٣٠ ط بولاق.