فينا لنهدينهم سبلنا ) (١).
فالاسترشاد به إشارة إلى الجنس الاول وهو واضح ، والاعتصام إلى الثاني فان أصله الامتناع بالشئ ولاشك أن نصب الادلة وإقامة السبل الفارقة بين الحق والباطل ، والصلاح والفساد ، عصمة لمن تمسك بهامن الهلكة ، وجنة لهم من الضلالة والاستزادة في المعرفة إلى الثالث فان العالم وإن كان دليلا على الله تعالى بآثاره الظاهرة وآياته الباهرة المتظافرة ، إلا أن الانبياء والرسل عليهمالسلام والكتب المطهرة تهدي للتي هي أقوم للتقوى ، وتزيد في المعرفة على الوجه الاتم ، ويرشد إلى مالايفي العقل بدركة ، والاقرار بعظمته وكبريائه إلى المقام الرابع فان من ارتقى إلى تلك الغاية ، ووصل إلى شريف تلك المرتبة ، وانغمس في أنوار تلك الهيبة ، واغترف من بحار الاسرار الالهية ، اعترف بمزيد الكبرياء ، بل اضمحل وفنى في تلك المرتبة وعرف أن كل شئ هالك إلا وجهه.
فاذا طلب العارف الهداية إلى الصراط المستقيم ، فمطلبه هذه المنزلة لتمكنه مما سبق ، والناس فيها على حسب مراتبهم ، والصراط المستقيم المستوي مشترك بين الجميع ، وإذا توجه المصلي إلى ذلك الجناب العلي وسأل ذلك المطلب السنى ، فليترق إلى استحضار التأكيد في السؤال والرغبة ، والتذكر لما تقدم من نعمه على أوليائه وطلبه متلها ، عند قوله : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وإنما طلب الهداية إلى سلوك طريق المذكورين التي هي نعم اخروية أو كان وسيلة إليها ، حذفا لما سواهما من النعم الدنيوية عن درجة الاعتبار ، وتحقيقا وتفخيما لها من بين ساير الاغيار ، فان أصل النعمة الحالة التي يستلذها الانسان ، ونعم الله وإن كانت لاتحصى ، كما قال تعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها ) (٢) تنحصر في جنسين دنيوي واخروي ، والاول قسمان موهبي وكسبي ، والموهبي
____________________
(١) العنكبوت : ٦٩.
(٢) ابراهيم : ٣٤.