وإلاّ فإن تنافيا بأنفسهما ، فضدّان ، كالسواد والبياض ، وإلاّ فخلافان ، كالبياض والحلاوة.
فإن كانا ضدّين أو مثلين ، لم يجتمعا في محلّ واحد ، بأن يتحقّقا في شخص واحد ، بأن يكون آمرا وناهيا عن ضدّ ما أمر به إن جعلا (١) مبنيّين للفاعل أو مأمورا ومنهيّا عن ضدّ ما أمر به إن جعلا مبنيّين للمفعول ، أو في فعل (٢) واحد بأن يكون مأمورا به ومنهيّا عن ضدّه ، مع أنّهما يجتمعان فيه بأيّ معنى اخذ.
ولو كانا خلافين ، لجاز اجتماع كلّ منهما مع ضدّ الآخر ؛ لأنّ ذلك حكم الخلافين ، كما يجتمع البياض ـ وهو خلاف الحلاوة ـ مع الحموضة ، فيلزم جواز اجتماع الأمر مع ضدّ النهي عن ضدّه ، وهو الأمر بضدّه وهو محال ؛ لأنّه اجتماع النقيضين ، والتكليف بما لا يطاق (٣).
والجواب : تسليم كونهما خلافين ، ومنع ما زعم أنّه لازم لهما ، وهو اجتماع كلّ مع ضدّ الآخر.
أمّا أوّلا ، فلأنّه لا يشترط فيهما جواز الانفكاك ، فيجوز أن يكونا متلازمين (٤) ، فيمتنع فيهما ذلك ؛ إذ اجتماع أحد المتلازمين مع الشيء يوجب اجتماع الآخر معه ، فاجتماع كلّ مع ضدّ الآخر يوجب اجتماع كلّ مع ضدّه ، وهو محال.
وأمّا ثانيا ، فلأنّهما قد يكونان ضدّين لأمر واحد ، كالعلم والقدرة للنوم ، فيكون كلّ منهما ضدّ ضدّ الآخر ، فاجتماع كلّ منهما مع ضدّ الآخر يوجب اجتماعه مع ضدّه ، ولا يستبعدنّ كون الشيء ضدّا لشيء ولخلافه ؛ لأنّه يجوز أن يكون الشيء ضدّ الأمر ولضدّه ، كالعلم للظنّ والشكّ ، والسواد للبياض والحمرة ، مع أنّه أبعد.
ثمّ لو سلّم كونه لازما ، فلا نمنع اجتماع كلّ منهما مع كلّ ما يضادّ الآخر ؛ إذ السواد خلاف الحرارة ، ولا يجامع الجوهريّة التي هي ضدّها ؛ لكونها ضدّا له أيضا ، بل المسلّم
__________________
(١) أي جعل الفعلان معلومين نحو أمر ونهى.
(٢) عطف على « شخص واحد ».
(٣) راجع : منتهى الوصول لابن الحاجب : ٩٥ و ٩٦ ، ومعالم الدين : ٦٥.
(٤) كان ينبغي للمصنّف أن يذكر مثالا للخلافين المتلازمين. ولا يخفى ما في الجمع بين الخلاف والتلازم.