فهنا مقامات :
[ المقام ] الأوّل : في أنّ الأمر مطلقا ليس نفس النهي عن ضدّه مطلقا ، لا لفظا ولا حقيقة.
أمّا الأوّل ، فلأنّ صيغة الأمر « افعل » وصيغة النهي « لا تفعل ».
وأمّا الثاني ، فلأنّ الأمر هو القول الدالّ على طلب الفعل ، والنهي هو القول الدالّ على طلب الترك ، أو الكفّ ، فأين العينيّة؟ وكيف يقول به عاقل ، فضلا عن الفضلاء؟!
والظاهر ـ كما قيل ـ أنّه ليس مراد من قال من الأوائل : إنّ الأمر بالشيء بعينه نهي عن ضدّه (١) أنّ الأمر نفسه هو النهي ، بل مراده أنّهما حصلا بجعل واحد كما في قولهم : الأمر بالشيء أمر بمقدّمته ، أي جعلاهما واحد لم يحصل كلّ منهما بأمر على حدة ، فرجع إلى التضمّن أو الالتزام ؛ إذ القائل بهما يقول باتّحاد جعلهما ؛ إذ الفرض عدم صريح النهي ، واستنباطه من الأمر. وعلى هذا يرجع ضمير « بعينه » إلى الشيء لا إلى الأمر.
وممّا ذكر يعلم أنّ النهي عن الشيء ليس أمرا بشيء من ضدّه.
ثمّ القول بالعينيّة قد نسب إلى بعض القائلين بالكلام النفسي ؛ نظرا إلى أنّ كلّ واحد من الأمر والنهي ليس عندهم هو الصيغة ، بل عندهم أنّ الأمر طلب الفعل القائم بالنفس ، والنهي طلب تركه ، وحكموا باتّحاد الطلبين (٢).
واحتجّوا عليه بوجهين :
أحدهما : أنّ الأمر لو لم يكن نفس النهي عن ضدّه ، لكان إمّا مثله ، أو ضدّه ، أو خلافه ؛ لأنّهما إن تساويا في الصفات النفسيّة ـ وهي (٣) ما لا يفتقر الوصف به إلى تعقّل أمر زائد على ذات الموصوف ، أي لا يعتبر فيه إضافة إلى غير الموصوف كالإنسانيّة للإنسان ، والحقيقة والشيئيّة له ، ويقابلها المعنويّة المفتقرة إلى تعقّل أمر زائد ، كالتحيّز الثابت للجسم بالإضافة إلى الحيّز ، والحدوث الثابت لغير الله بالإضافة إلى الوجود ـ فمثلان كبياضين أو سوادين ،
__________________
(١) قاله ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٣٢٦.
(٢) راجع منتهى الوصول لابن الحاجب : ٩٥ و ٩٦.
(٣) في « أ » : « هو ».