والقائلون بالالتزام بين مطلق له. وبين مصرّح بثبوت الالتزام اللفظي (١) ، بمعنى أنّه لازم بيّن له يلزم من تصوّر الأمر تصوّره. ومصرّح بثبوت الالتزام المعنوي دون اللفظي (٢) ، بمعنى أنّ العقل يحكم به ولو بوسائط كثيرة ، وقد تخفى على غير ذوي الأنظار الدقيقة.
وبعضهم جعل القول بالالتزام منحصرا بالمعنوي وقال : التحقيق أنّ من قال : الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه ، لا يقول بأنّه لازم عقلي له ، بمعنى أنّه لا بدّ عند الأمر من تصوّره وتعقّله ، بل المراد باللزوم العقلي مقابل الشرعي ، يعني أنّ العقل يحكم بذلك اللزوم لا الشرع (٣).
وأنت تعلم أنّ هذا الكلام لا يلائم ما صرّح به القوم ؛ لأنّ أكثرهم مصرّحون بثبوت الاستلزام اللفظي وإن لم يكن حقّا.
وكما اختلفوا في أصل المسألة ، اختلفوا في تحرير محلّ النزاع فيها.
فمنهم : من قال : إنّ النزاع إنّما هو في الضدّ الخاصّ ، وأمّا العامّ بمعنى الترك ، فلا خلاف في كون الأمر مقتضيا للنهي عنه (٤).
ومنهم : من قال : إنّ الخلاف في الضدّين ، وجعل الخلاف في العامّ باعتبار أنّ الأمر هل هو عين النهي عنه أو يستلزمه؟ لا في أصل الاقتضاء ؛ لاستلزام نفيه خروج الواجب عن كونه واجبا (٥).
__________________
(١) حكاه السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٨٥ ـ ٨٨ ، والشيخ في العدّة في أصول الفقه ١ : ١٩٦ ـ ١٩٨ ، والفخر الرازي في المحصول ٢ : ١٩٩ ـ ٢٠١ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٩١ ـ ١٩٥ ، والأنصاري في فواتح الرحموت المطبوع مع المستصفى ١ : ٩٧ و ١٠٠ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ١٣٥ و ١٣٦ ، القاعدة ٤٠ ، والشيخ حسن في معالم الدين : ٦٤.
(٢) حكاه السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٨٥ ـ ٨٨ ، والشيخ في العدّة في أصول الفقه ١ : ١٩٦ ـ ١٩٨ ، والفخر الرازي في المحصول ٢ : ١٩٩ ـ ٢٠١ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٩١ ـ ١٩٥ ، والأنصاري في فواتح الرحموت المطبوع مع المستصفى ١ : ٩٧ و ١٠٠ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ١٣٥ و ١٣٦ ، القاعدة ٤٠ ، والشيخ حسن في معالم الدين : ٦٤.
(٣) المصادر.
(٤) حكاه الشيخ حسن في معالم الدين : ٦٤.
(٥) راجع : العدّة في أصول الفقه ١ : ١٩٦ ، والمحصول ٢ : ١٩٩ ـ ٢٠٢ ، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ٣ : ٣٢٦ ، والإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٩٢ ، ومنتهى الوصول : ٦٩ ، وفواتح الرحموت المطبوع مع المستصفى ١ : ١٠٠ ، وتمهيد القواعد : ١٣٥ و ١٣٦ ، القاعدة ٤٠ ، ومعالم الدين : ٦٣.