الثالث : ما دلّ على تقييده دليل من خارج متّصلا كان أو منفصلا.
ويسقط الوجوب في الجميع بمضيّ أوّل أوقات الإمكان.
والفرق بأنّه (١) يجري في المقيّد إذا كان مدلولا للّفظ بحسب الوضع ، أو دلّ على تقييده دليل متّصل ، ولا يجري فيما دلّ على تقييده دليل منفصل ، تحكّم ؛ إذ المناط حصول التقييد ، وهو حاصل في الصور الثلاث ، ولا دلالة للاوليين على زائد. ويبقى المطلق منحصرا بما ورد به أمر مطلق ، ولم يقل بأنّه يفيد الفور ـ كما هو المختار ـ أو مطلق آخر ، ولم يدلّ دليل على وجوب المبادرة أصلا ، أو دلّ عليه ولم يدلّ على التقييد. هذا.
وكيفيّة التفريع في الجميع وحقيقة الحال فيه على ما اخترناه ظاهرة.
فصل [٩]
لا خلاف في تغاير مفهومي الأمر بالشيء والنهي عن ضدّه ؛ لاختلاف الإضافة قطعا ، وإنّما الخلاف في أنّ الأمر بالشيء المعيّن نهي عن ضدّه ، أو لا؟
فقيل : هو عينه (٢).
وقيل : يستلزمه (٣).
وقيل بنفي العينيّة والاستلزام (٤).
وقيل : هو عين النهي عن الضدّ العامّ بمعناه المشهور ـ أي الترك ـ دون الخاصّ ، ودون المعنى الآخر للعامّ ، وهو أحد الأضداد الوجوديّة لا بعينه ؛ لأنّه راجع إلى الخاصّ (٥).
بل قيل : هو عينه حقيقة ؛ لأنّ من قال باستلزام الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ الخاصّ ، لم يقل بأنّه مستلزم للنهي عن ضدّ خاصّ معيّن من حيث هو معيّن ، بل قال : إنّه يستلزم
__________________
(١) أي سقوط الوجوب.
(٢) قاله ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٣٢٦ ، وحكاه الآمدي عن قاضي أبي بكر الباقلاني في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٩١.
(٣) قاله الشيخ في العدّة في أصول الفقه ١ : ١٩٧ ، والفخر الرازي في المحصول ٢ : ١٩٩.
(٤) قاله الآمدي ، ونسبه أيضا إلى إمام الحرمين في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٩٢.
(٥) قائله الغزالي في المستصفى : ٦٦ ، والشيخ حسن في معالم الدين : ٣.