بالمسارعة (١) والاستباق (٢) من أنّه يجب البدار إلى امتثال الأمر ، وإن لم يكن مقتضيا له بنفسه ـ وجوب الإتيان بالمأمور به فيما بعد ؛ لأنّه يدلّ بنفسه حينئذ على وجوب الإتيان به في أيّ وقت كان. والآيات المذكورة لم تجعله موقّتا ، بل اقتضت وجوب المبادرة. والظاهر منه عصيان المكلّف بتركه ، وبقاء مفاد الأمر بحاله (٣).
وتوضيحه : أنّه لم يعلم من الآيات تقييد المأمور به في الأمر المطلق ؛ ليكون الفور مرادا منه أيضا وإن لم يكن بالوضع ، ويتحقّق طلب واحد متعلّق بمطلوب مقيّد ، بل القدر المعلوم منها طلب المبادرة من غير أن تكون مقيّدة له ، كما إذا قال بعد الأمر المطلق : « عجّل واستبق » ، فيتحقّق طلبان متعلّقان بمطلوبين مطلقين : أحدهما : طلب إيجاد الماهيّة ، وهو المفهوم من الأمر. وثانيهما : طلب المبادرة ، وهو المفهوم من الآيات. فإذا أخلّ المكلّف بالطلب الثاني ، عصى من حيث مخالفته ، ولم يعص من جهة الطلب الأوّل ؛ لأنّ عصيانه بترك الإتيان بالفعل مطلقا ، فهو يبقى بحاله. كيف؟ وارتفاع أحد الأمرين لا يستلزم ارتفاع الآخر إذا لم يتقيّد به.
ويظهر من هذا أنّ الدالّ على الفور لو كان مقيّدا للأمر المطلق ـ سواء كان منفصلا عنه ، كأن يرد بعده خطاب آخر يعلم منه إرادة الفور منه ، أو متّصلا به ، كأن يقول : افعل معجّلا ، أو بسرعة ـ يسقط الوجوب حيث يمضي أوّل أوقات الإمكان ؛ لأنّ الفوريّة لمّا كانت مرادة من الأمر ـ وإن لم يكن للوضع مدخل فيها ، بل علمت إرادتها منه بدليل من خارج ـ يتحقّق طلب واحد مقيّد ، والتكليف المقيّد يفوت بفوات القيد ؛ إذ ما علم أنّه مطلوب ـ وهو المقيّد ـ لم يحصل ، وما يمكن حصوله ـ وهو المطلق ـ لم يعلم كونه مطلوبا ، فلا وجه للإتيان به.
وقد تلخّص ممّا ذكرناه أنّ الموقّت (٤) ثلاثة أقسام :
الأوّل : ما صرّح فيه بالتوقيت.
الثاني : ما ورد به أمر مطلق. وقيل بأنّه يفيد الفور وضعا (٥).
__________________
(١) آل عمران (٣) : ١٣٣ : ( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ).
(٢) المائدة (٥) : ٤٨ : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ).
(٣) راجع معالم الدين : ٦٠.
(٤) أراد به المقيّد الأعمّ من الموقّت الاصطلاحي.
(٥) قاله المفيد في التذكرة بأصول الفقه المطبوع ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ٩ : ٣٠ ، وحكاه الشيخ في العدّة في الاصول ١ : ٢٣٤.