الحكم بسقوط وجوب المأمور به ، وعدم صحّته حيث يمضي أوّل أوقات الإمكان.
وعلى هذا يندفع هذا الإيراد ؛ لأنّه لو دلّ وضعا أو شرعا على الفور لدلّ على عدم صحّة الفعل بترك الفوريّة ؛ لأنّ مدلوله حينئذ هو الإتيان بالفعل في أوّل أوقات الإمكان ، ولا يتصوّر فرق بينه وبين ما إذا قيل : يجب عليك فعل كذا في هذه الساعة. ولو سلّم التزامهم صحّة الفعل في الزمان المتراخي ، اندفع الجواب المذكور بهذا الإيراد.
فنقول في الجواب : إنّه لا ريب في كون المندوب والواجب الموسّع من الخيرات وأسباب المغفرة ، فتخصيصهما (١) بالأفعال الواجبة ترجيح بلا مرجّح ، فتعيّن إرادة جميع الخيرات وأسباب المغفرة. وحينئذ لا يمكن أن يدلّ الصيغتان (٢) على وجوب جميعهما ، فإمّا أن تدلاّ على استحباب الجميع ، أو وجوب البعض واستحباب البعض ، والثاني باطل ؛ إذ هو يوجب استعمال لفظ واحد في معناه الحقيقي والمجازي ، وقد تقدّم (٣) فساده.
احتجّ القائل بالاشتراك كما احتجّ به القائل باشتراكه بين الوحدة والتكرار (٤). والجواب الجواب.
واحتجّ القائل بأنّه للقدر المشترك ـ إلاّ أنّه يفهم منه الفور بالدلالة الخارجيّة ـ على الجزء الأوّل ببعض أدلّة القائلين بأنّه للقدر المشترك من دون تقييد (٥). وهو حقّ نحن نقول بمقتضاه. وعلى [ الجزء ] (٦) الثاني ببعض حجج أصحاب الفور.
وقد عرفت (٧) جوابها. على أنّ الدالّ على الفوريّة إن كان هو النقل لثبت به الحقيقة ؛ لأنّ تحقّق الوضع الشرعي إمّا بتصريح الشارع ، أو بنصبه قرينة متّصلة أو منفصلة على أنّ مراده عند الإطلاق هو المعنى الموضوع له ، والتخصيص بالمتّصلة ترجيح بلا مرجّح ، والنقل إن لم يكن تصريحا بالوضع الشرعي فلا أقلّ من أن يكون قرينة منفصلة دالّة عليه.
__________________
(١) أي المسارعة والاستباق.
(٢) أي « سارِعُوا » و « فَاسْتَبِقُوا ».
(٣) تقدّم في ج ١ ، ص ٧١.
(٤) المحتجّ هو السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ١٣٢.
(٥) قاله السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ١٣١ ، والعلاّمة في مبادئ الوصول : ٩٧.
(٦) اضيف للضرورة.
(٧) راجع ص ٦٣١ وما بعدها.