واورد عليه بأنّ الأمر إمّا موقّت مضيّق ، كالأمر بالصوم في يوم معيّن. أو موقّت موسّع ، كالأمر بصلاة الظهر مثلا. أو مطلق ، كالأمر بإزالة النجاسة عن المسجد ، وقضاء الصلوات اليوميّة على المشهور ، والحجّ.
والأوّل يفيد الفور ، بمعنى وجوب الشروع في الفعل في أوّل وقته بحيث لو اخّر حتّى خرج بعض وقته ترتّب عليه الإثم وصار قضاء.
والثاني يفيد جواز التأخير عن أوّل وقته ، ولكن لو أخّره عن مجموع الوقت يترتّب عليه الإثم ويصير قضاء.
والثالث ـ وهو ما نحن بصدده ـ يفيد الفور ، بمعنى أنّه لو لم يبادر ترتّب عليه الإثم ، إلاّ أنّه لا يصير قضاء ، بل إذا أتى به في أيّ وقت كان ، يكون أداء وصحيحا. وهذا وإن كان مضيّقا إلاّ أنّه ليس موقّتا ، فيتصوّر فيه الاستباق والمسارعة ؛ لأنّهما إنّما لا يتصوّران في الموقّت المضيّق. فمفاد الآيتين أنّه يجب الاستباق والمسارعة فيما يصحّ فعله في الزمان المتراخي ، ويعصي المكلّف بترك البدار إليه (١).
فما ذكره المجيب مبنيّ على اشتباه الموقّت بغيره ، ولا يلزم حينئذ المنافاة المذكورة ؛ إذ المادّة لا تقتضي إلاّ كون الفعل أداء وصحيحا على تقدير التأخير ، ولا تقتضي مشروعيّة التأخير وعدم ترتّب الإثم ، والصيغة أيضا تقتضي ذلك.
أقول : ما ذكره المورد مبنيّ على أنّ المراد باقتضاء الأمر للفور ترتّب الإثم على التأخير ، لا عدم صحّة الفعل في الزمان المتراخي.
وقد قيل : إنّه المراد لأكثر القائلين بالفور منه (٢) ، بل يظهر من كلام جماعة أنّه لا خلاف في كون الفعل أداء وصحيحا في الزمان المتراخي (٣) ؛ لأنّ أكثر أدلّتهم المذكورة على فرض تمامها إنّما يدلّ على العصيان بالتأخير لا عدم الصحّة ، وقد يأتي أنّ الظاهر من أكثر الأدلّة ، ومن كلام معظم القائلين بالفور ؛ أنّه مدلول الأمر وهو بنفسه يدلّ عليه ، وحينئذ يتعيّن
__________________
(١) قاله الفاضل التوني في الوافية : ٨٣.
(٢) حكاه المطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٢ : ٢٨٦ و ٢٨٧.
(٣) المصدر وكذا ذكره ملاّ ميرزا في هامش معالم الدين : ٥٧ و ٥٨.