وإن كان هو العقل ، فإن لم يعلم منه أنّ الفوريّة مقصودة الشارع فلا يفيد ، وإن علم منه ذلك فيثبت منه أيضا الوضع الشرعي ؛ لأنّه أيضا من القرائن المنصوبة ، مع أنّه يبعد من الشارع أن يريد من عامّة المكلّفين شيئا ولا ينصب لهم قرينة على مطلوبه ، بل يكل استنباطه إلى عقولهم الناقصة حتّى يختلفوا فيه هذا الاختلاف.
واحتجّ المرتضى على الجزء الأوّل ، كما احتجّ به القائل بالاشتراك مطلقا. وعلى الجزء الثاني بحمل الصحابة والتابعين كلّ ما ورد في الكتاب أو السنّة على الفور (١).
والجواب : المنع ؛ لتفرّده بنقل الحمل ، بل المسلّم وجوده فيما وجد فيه قرائن الفور.
اعلم أنّ السيّد لم يصرّح بالجزء الثاني في بحث الفور والتراخي من الذريعة ، بل اقتصر فيه على كون الأمر مشتركا بينهما (٢) ، وصرّح به في بحث تحقيق الموضوع له ، هل هو الوجوب أو غيره؟ ونقل فيه إجماع الإماميّة على كونه للوجوب والفور شرعا ، محتجّا بما ذكر (٣). وقد ذكرنا الإجماع المنقول منه على كون الأمر للوجوب في تضاعيف أدلّته.
وعلى هذا ، فربّما يعترض بأنّ ردّ إجماعه المنقول هنا ، وقبوله هناك لا يجتمعان ؛ لاتّحاد طريق نقله فيهما ، كما في الخبر المشتمل على جزءين : أحدهما : مردود ؛ فإنّه لا ينتهض حجّة لإثبات الجزء الآخر.
ودفعه أنّ ردّ أحد جزءي المنقول ـ إجماعا كان أو خبرا ـ لمعارض لا يقتضي ردّ الآخر بعد ثبوت حجّيّته. ولو سلّم وردّ مطلقا ، فلا يقدح في كون الأمر للوجوب ؛ لكفاية سائر الأدلّة لإثباته.
وحجّة المتوقّف وجوابها كما تقدّم (٤).
إذا عرفت ذلك فكيفيّة التفريع أنّه إذا قيل لرجل : « بع هذه السلعة » ، فقبضها وأخّر بيعها مع القدرة عليه فتلفت ، فعلى ما اخترناه لا يضمن ، وعلى الفور يضمن ؛ لتقصيره.
وقد علم وجوب الفور في بعض الأوامر للدلالة الخارجيّة ، كالأمر بدفع الزكاة والخمس
__________________
(١) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٥٣ و ٥٤ و ١٣٢.
(٢) المصدر : ١٣١.
(٣) المصدر : ٥٣.
(٤) تقدّم في ص ٦٣١.