إلاّ بمعرفة المحرّمات والواجبات ، وهم الآن ما حصّلوا شيئا ، ولا يمكن لهم أن يعلموا بالشياع أنّ الفلان عدل ـ مع عدم معرفتهم حقيقة العدالة ـ ولا بالمعاشرة ، ولا بالعدلين ؛ لما ذكر ، بل أكثر جهّال الناس وعوامّهم من أهل القرى والصحاري تعلّموا شيئا من العبادات والطاعات من آبائهم أو من هو أعلم منهم ، وظنّوا بل تحقّقوا أنّ هذا هو الواجب عليهم لا غير ، ولم يسمعوا وجوب أخذ الأحكام من المجتهد ، فكيف يكونون آثمين بترك الطلب وكثير منهم بلغوا في العبادة حدّا لو كلّفوا بأخذ الأحكام من المجتهد الحيّ ، لزم التكليف بما لا يطاق؟!
والجواب : أنّ الكلام فيمن علم مجملا وجوب أحكام عليه ، وعلم أنّها (١) ممّن يسأل ، ويمكن من أخذها عنه ولو بوسائط كثيرة ، ولا ريب في كونه مأمورا حينئذ بالسعي والطلب ، فلو تركهما كان معاقبا.
وأمّا من لا يعلم وجوب شيء عليه أصلا ، ولم يسمع مجيء مبلّغ عن الله بالأوامر والنواهي ، فهو من المستضعفين وخارج عمّا نحن بصدده.
وإن علم وجوبها ولكن لم يكن في قوّته وقدرته فهمها ، بل كان بحيث لو كلّف بالأخذ عن المجتهد لزم التكليف بما لا يطاق ، فهو أيضا خارج ويجب عليه السعي مهما أمكن ، وإن أمكنه الفهم والتعليم إلاّ أنّه لم يتمكّن من الوصول إلى المجتهد ، فليس عليه أيضا حرج بعد الأخذ بالاحتياط.
وأمّا الأوّل (٢) ، فلأنّ العبادة على التقديرات الثلاثة مطابقة للواقع وموافقة للمأمور به.
أمّا على الأوّلين فبالفرض.
وأمّا على الثالث ؛ فلأنّ من صام بنيّة القربة ، وكفّ عن جميع ما يحتمل أن يكون مبطلا ، وأتى في الصلاة بجميع ما يحتمل أن يكون تركه مبطلا ، وترك جميع ما يحتمل أن يكون فعله مبطلا ، يحصل له القطع بموافقة صومه وصلاته للمأمور به على كلّ تقدير. وإذا ثبت مطابقتها للواقع وموافقتها للمأمور به تكون صحيحة ؛ لأنّه لا معنى لصحّة العبادة إلاّ إيقاعها
__________________
(١) كذا في النسختين. والأولى : « أنّه ».
(٢) والمراد به صحّة العبادة.