فصل [٥]
للعامّة في جواز الاجتهاد ، ووقوعه بحضرة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وفي عصره صلىاللهعليهوآله أقوال كثيرة.
والحقّ عدم جوازه في عصر النبيّ والأئمّة عليهمالسلام إلاّ لمن غاب عنهم بحيث لم يتمكّن من السؤال عنهم.
لنا على الأوّل (١) : أنّ العمل بالظنّ خلاف الأصل ، خرج العمل به عند فقد اليقين ؛ لقضاء الضرورة ، فالقادر على اليقين لا يجوز له العمل به مطلقا ، وأنّ أصحابهم يرجعون إليهم في القضايا والأحكام ، ولم ينقل عن أحد منهم ـ سيّما من أصحاب الأئمّة ـ أن يجتهد.
وعلى الثاني : ما دلّ على جوازه في زماننا.
احتجّ المجوّزون باجتهاد بعض الصحابة في عصره صلىاللهعليهوآله ، وتقريره صلىاللهعليهوآله له (٢). وهو لم يثبت عندنا.
ويتفرّع على هذا الخلاف جواز الاجتهاد في الأحكام بالظنّ مع القدرة على اليقين ، كالاجتهاد في الوقت مع القدرة على تحصيل اليقين بالصبر أو غيره ، وفي الثوبين مع وجود ثوب ظاهر يقينا ، وغير ذلك. والأصل عدم الجواز إلاّ ما ثبت بدليل من خارج.
فصل [٦]
أجمع المسلمون ـ إلاّ من شذّ (٣) ـ على أنّ المصيب من المجتهدين المختلفين في العقليّات واحد ، وهو من طابق اعتقاده الواقع ، وغيره مخطئ آثم ؛ لأنّ الله كلّف فيها بالعلم ، ونصب عليه دليلا ، فالمخطئ مقصّر فيبقى في عهدة التكليف ؛ ولأنّ المسلمين أجمعوا على قتال الكفّار من غير فرق بين معاند ومجتهد ، مع أنّ جلّ الكفّار بل كلّهم يقطعون بأنّهم لا يعاندون الحقّ بعد ظهوره لهم ، بل يعتقدون دينهم الباطل عن اجتهاد.
__________________
(١) والمراد بالأوّل هو المستثنى منه كما أنّ المراد بالثاني هو المستثنى.
(٢) راجع منتهى الوصول لابن الحاجب : ٢١٠.
(٣) حكاه الفخر الرازي عن الجاحظ وعبيد الله بن الحسن العنبري في المحصول ٦ : ٢٩ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ١٨٤.