فإن قيل : دلالة الأمر بالمادّة على الطبيعة المطلقة مخالفة لما ذهب إليه بعض الادباء من أنّ اسم الجنس موضوع للطبيعة المقيّدة بالوحدة المطلقة (١).
قلت : الخلاف الذي وقع في كون اسم الجنس موضوعا للطبيعة من حيث هي ، أو من حيث تقيّدها بالوحدة المطلقة ، إنّما هو اسم الجنس الذي كان مصدرا منوّنا ، وأمّا المصدر غير المنوّن في ضمن المشتقّات ، فلا خلاف في كونه للطبيعة من حيث هي ، كما صرّح به بعض المحقّقين منهم (٢).
ولنا أيضا : استعماله فيهما شرعا وعرفا ، كالأمر بالحجّ ، والأمر بالصوم والصلاة ، وأمر السيّد عبده باشتراء اللحم ، وأمره بحفظ الدابّة. والاشتراك والمجاز خلاف الأصل ، فيكون للقدر المشترك. وكونه له هاهنا لا يخالف الأصل ، كما يخالفه كونه للقدر المشترك بين الوجوب والندب ، وقد ظهر وجهه ممّا تقدّم (٣).
وأيضا لو كان للتكرار لعمّ الأوقات ؛ لعدم الأولويّة ، وهو باطل ؛ للإجماع ، ولزوم التكليف بما لا يطاق ، وكون كلّ تكليف يرد بعده ولا يجتمع معه ناسخا له.
وأيضا نصّ أهل اللغة على عدم الفرق بين « تفعل » و « افعل » إلاّ في كون الأوّل خبرا والثاني طلبا (٤) ، ومقتضى الأوّل ليس إلاّ ماهيّة الفعل مع أيّهما حصلت ، فكذا مقتضى الثاني ، وإلاّ كان بينهما فرق آخر.
احتجّ القائل بالمرّة بأنّ المولى إذا أمر عبده بدخول الدار فدخل مرّة عدّ ممتثلا عرفا ، ولو كان للتكرار لما عدّ (٥).
والجواب : أمّا أوّلا : فبالمعارضة بأمره إيّاه بحفظ الدابّة ، فإنّه لو حفظها مرّة لا يعدّ ممتثلا.
وأمّا ثانيا : فبأنّ حصول الامتثال لحصول الماهيّة في ضمن المرّة لا لأنّ الأمر ظاهر فيها.
__________________
(١) حكاه الأسنوي في نهاية السؤل ٢ : ٤٧.
(٢) راجع : التعريفات : ٤٠ ، والنحو الوافي ١ : ٢٣ و ٢٤.
(٣) آنفا.
(٤) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٢ : ١٠٠.
(٥) المصدر : ٩٩ و ١٠٠.