واحتجّ القائل بالتكرار بأنّ النهي يقتضيه ، فكذا الأمر قياسا عليه بجامع دلالتهما على الطلب.
وبأنّه لو لم يكن له لما تكرّر الصوم والصلاة وغيرهما وقد تكرّرت.
وبأنّه لو لم يتكرّر لم يرد عليه النسخ ؛ لأنّ وروده على المرّة يوهم الندامة ، وهو محال على الشارع.
وبأنّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه ، والنهي يقتضي دوام المنع عن المنهيّ عنه ، فيلزم التكرار في المأمور به ؛ لأنّ تكرار اللازم يوجب تكرار الملزوم. وإن منع لجواز ارتفاع الضدّين يفرض الكلام في ضدّين لا ثالث لهما ، كالحركة والسكون ؛ أو يقال : المراد من ضدّ المأمور ضدّه العامّ الذي هو الكفّ عنه ، كما هو الظاهر ، وترك الكفّ عن شيء إنّما يكون بفعله عند التذكّر ؛ أو يقال : المراد منه جميع أضداده ، وترك الجميع لا يمكن إلاّ بفعل المأمور (١).
والجواب عن الأوّل : أنّه قياس في اللغة وهو باطل ، مع أنّ الفارق قائم من وجهين :
أحدهما : أنّ الأمر يقتضي إيجاد الحقيقة ، وهو يحصل بالمرّة ، والنهي يقتضي انتفاءها ، وهو يحصل بانتفائها في جميع الأوقات ، ولو لا ذلك ، لما صحّ التكاذب عرفا بين المطلقتين مع أنّه صحيح.
وثانيهما : أنّ ترك كلّ فعل أبدا ممكن ؛ إذ التروك تجتمع وتجامع كلّ فعل ، بخلاف امتثاله ؛ إذ هو يمنع من فعل باقي المأمورات.
وعن الثاني : أنّ فهم التكرار من خارج كسنّة أو إجماع ، أو تعليقه على موجب متكرّر ، كالوقت والسنة.
وأيضا : لا يمكن أن يكون التكرار الموجود في الصوم والصلاة مدلول صيغة الأمر بمجرّدها ، وهو ظاهر.
وأيضا : ينتقض بما لا يتكرّر ، كالحجّ وغيره. وقد أشرنا (٢) إلى أنّ استعماله تارة في
__________________
(١) راجع : المحصول ٢ : ١٠٢ و ١٠٣ ، والإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٧٤ و ١٧٥ ، ونهاية السؤل ٢ : ٢٧٨ و ٢٧٩ ، وسلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٢ : ٢٧٩.
(٢) ص ٦٢٠.