كذلك ، كما هو التحقيق ، إلاّ فيما ثبت فيه الدلالة الخارجيّة على خلافه ، وهو نادر ، كقوله عليهالسلام : « انظر إليهنّ » أي إلى النساء التي تعزم على نكاحهنّ (١) فإنّه وارد بعد الحظر ، ولا ريب أنّ الوجوب منتف ، فيبقى إمّا الإباحة أو الاستحباب ، والمتبادر هو الأوّل ، فينطبق على ما ذكرناه ؛ لأنّ النظر قبل النهي كان مباحا.
وقوله تعالى : ( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً )(٢) ، وهو وارد بعد الحظر ـ على ما ذكره بعضهم ـ من حيث إنّ الكتابة بيع مال الشخص بماله ، وهو منهيّ عنه (٣). وحمل الأمر على الوجوب باطل قطعا ، فينبغي حمله على الإباحة الثابتة قبل النهي لو لم يقم دليل خارجي على الاستحباب.
وكالأمر بقتل الحيّة والعقرب في الصلاة (٤) ، وهو وارد بعد النهي التحريمي عن الأفعال الكثيرة ، والنهي التنزيهي عن القليلة فيها ، وهو ـ كيف كان (٥) ـ يكون لما كان قبل النهي.
وكالأمر برجوع المأموم إذا سبق الإمام بركن (٦) ، وهو محمول عند الأصحاب على الوجوب بدليل من خارج ، وإن انتفى الوجوب قبل النهي (٧).
وممّا ذكر ظهر كيفيّة التفريع.
فصل [٥]
الأمر المطلق لطلب الماهيّة لا للمرّة والتكرار ؛ وفاقا للمحقّقين (٨). وقيل : لها (٩). وقيل : له (١٠).
__________________
(١) كنز العمّال ١٦ : ٥١١ ، ح ٤٥٦٧٦ باختلاف.
(٢) النور (٢٤) : ٣٣.
(٣) قاله الزمخشري في الكشّاف ٣ : ٢٣٨ ، ذيل الآية ٣٣ من النور (٢٤).
(٤) الفقيه ١ : ٢٥٧ ، ح ٧٩٠.
(٥) أي سواء كان الحكم الذي قبل الأمر حراما أو كراهة.
(٦) تهذيب الأحكام ٣ : ٤٧ ، ح ١٦٣ ، والاستبصار ١ : ٤٣٨ ، ح ١٦٨٨.
(٧) راجع رياض المسائل ٤ : ٢٢٩ و ٢٣٠.
(٨) منهم : العلاّمة في تهذيب الوصول : ٩٨ ، والفاضل التوني في الوافية : ٧٥ ، والفخر الرازي في المحصول ٢ : ٩٨.
(٩) قاله الشيخ في العدّة في أصول الفقه ١ : ٢٠٠ ، والغزالي في المستصفى : ٢١٢ ، والبصري في المعتمد ١ : ٩٨ و ٩٩.
(١٠) حكاه الأسنوي عن الشافعي في نهاية السؤل ٢ : ٢٧٥ ، والآمدي عن أبي إسحاق الأسفرائيني وجماعة من الفقهاء والمتكلّمين في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٧٣.