والظاهر أنّها مجاز فيه ، والتبادر للقرينة ، وهي مسبوقيّتها بالمنع.
وما ذكره أخيرا دلّ على أنّ رفع المنع ليس مدلولها ليكون للقدر المشترك بين الثلاثة ، بل لازمها العقليّ. وقد عرفت (١) أنّه لا كلام فيه ، إنّما الكلام في مدلوله الحقيقي ، وهذا القائل سكت (٢) عنه. هذا.
ولا يبعد عندي أن يقال : إنّ صيغة الأمر بعد الحظر تدلّ شرعا وعرفا على ما كان ثابتا قبل ورود النهي ، سواء علّقت بزوال علّة عروض النهي ، كقوله تعالى : ( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) ، أو لا ، كقوله عليهالسلام : « كنت نهيتكم ... ». والحكم الثابت قبل النهي إمّا الوجوب ، أو الندب ، أو الإباحة ، فتكون مشتركة بينها ، ولا ينفكّ (٣) في كلّ موضع عن القرينة الدالّة على الحكم الذي يدلّ عليه ، وهي سبقه على النهي ، فهي حقيقة شرعيّة وعرفيّة فيه ، وإن لم تكن موضوعة له.
والسرّ فيه أنّ الشرع والعرف استعملاها فيه مع القرينة حتّى حصل التبادر وسبقه منها إلى الفهم عند الإطلاق ، فكأنّهما نقلاها عن معناها الأصلي إليه. أمّا الاستعمال فيه ، فظاهر من الأمثلة الشرعيّة والعرفيّة ؛ فإنّ جميع الأوامر الشرعيّة الواردة بعد الحظر يفهم منها ثبوت الحكم كما كان قبل النهي واستعملت فيه كذلك ، وكذا الحال في الأوامر العرفيّة. والمتتبّع لما ورد في ذلك من الشرعيّات والعرفيّات يجزم بذلك.
وأمّا التبادر وكونه سابقا منها إلى الفهم ، فبيّن بحيث لا يمكن إنكاره.
وعلى هذا ، فيخرج هذا القسم (٤) عن مطلق الأمر بدليل من خارج ، فلا يجري فيه أدلّة الوجوب.
ثمّ لمّا كان كلّ ما اتّفق عليه من الأوامر الواردة بعد الحظر بأنّها مستعملة في الوجوب أو الندب أو الإباحة ـ كالأوامر المتقدّمة ـ ينطبق على ذلك ، فينبغي أن يكون ما شكّ فيه أيضا
__________________
(١) في ص ٦١٥.
(٢) في « ب » : « يسكت ».
(٣) التذكير باعتبار الأمر والتأنيث باعتبار الصيغة.
(٤) والمراد به ما كان المراد من الصيغة بعد الحظر معلوما.