إلى الاعتبار ؛ إذ عموم القدرة إنّما هو لكمال القوّة ، والقوّة الكاملة أبعد من الخطأ من الناقصة. ولذا ترى ذا الملكة في العلوم العقليّة إذا حصلت له الملكة الفقهيّة ، يكون اجتهاده أبعد من الخطأ من اجتهاد من لم يحصل له إلاّ الملكة الفقهيّة فقط ، وإذا اختلف الاجتهاد في الصواب والخطأ لوجود القوّة العقليّة وعدمها ، فاختلافه فيهما بالقوّة الفقهيّة الكاملة وغير الكاملة أولى (١).
واجيب عنه ، بأنّ العلّة في اعتماد المجتهد لمطلق على ظنّه إنّما هو قضاء الضرورة ، وأنّه مشترك بينه وبين المتجزّئ ، ولا مدخليّة لكمال القوّة ـ بمعنى عمومها ـ في العلّيّة ؛ إذ العلّة يجب أن تكون مناسبة ، ولا ريب أنّ الظنّ بمسألة من الطهارة ـ مثلا ـ لا دخل له في الاعتماد على الظنّ بمسألة من النكاح ، أو الميراث (٢).
وردّ بأنّ التعويل على الظنّ لمّا كان خلاف الأصل ، وقضاء الضرورة اقتضى التعويل عليه ، فأجمعوا على التعويل على ظنّ يقضى به الوطر (٣) ، وله مزيّة على سائر الظنون بكونه أبعد عن الخطأ ، وهو ظنّ المجتهد المطلق ، فيبقى الباقي على أصله. وإنكار عدم مناسبة القوّة الكاملة للبعد عن الخطأ سفه ؛ لما ذكرناه (٤).
أقول : الظاهر كون العلّة هي الاطّلاع على أمارات الحكم دون استنباط الأحكام كلّها ؛ لأنّ جعل الثاني علّة يقتضي العمل بالتقليد والظنّ كليهما ، وكلاهما مخالف للأصل ، وجعل الأوّل علّة لا يوجب إلاّ العمل بالظنّ ، وارتكاب خلاف الأصل مهما كان أقلّ كان أولى.
ويؤكّده ثبوت الشهرة بصحّة التجزّي ؛ فإنّه يشعر بأنّ الإجماع المنعقد على حجّيّة ظنّ المجتهد يتناول ظنّ المتجزّئ أيضا.
ولنا أيضا : أنّ المتجزّئ لو لم يعوّل على ظنّه في المسألة التي اجتهد فيها ، بل قلّد غيره فيها ، مع تحصيله الظنّ ، يلزم أن يعمل بالمرجوح ويترك الراجح مع أنّ العمل بالراجح واجب ضرورة.
__________________
(١) حكاه الشيخ حسن في معالم الدين : ٢٣٣.
(٢) أجاب به الشيخ حسن في معالم الدين : ٢٣٣.
(٣) « الوطر » : الحاجة ... والجمع الأوطار. الصحاح ٢ : ٨٤٦ ، « وط ر ».
(٤) ذكره الفاضل التوني في الوافية : ٢٤٥ و ٢٤٩.