ولا يذهب عليك أنّ من يتمكّن من الإحاطة بأدلّة حكم واحد بالأخذ من كتب الاستدلال أو بالسماع من المجتهد ، يتمكّن من أخذ كثير من المسائل والأحكام بأحد هذين الطريقين ؛ إذ ما من حكم سهل المأخذ إلاّ وله نظائر كثيرة.
نعم ، ربما لم يتمكّن من أخذ أحكام صعبة المأخذ ، أي التي تعارضت فيها الأدلّة الكثيرة التي احتاج دركها وترجيح بعضها إلى قوّة قويّة ، أو كانت ذات شعب وفروع متشابكة ، ولها أدلّة متعانقة (١) يتوقّف الامتياز ورفع الالتباس إلى كثير قوّة.
وعلى هذا ، فلا يمكن حصول التجزّي بالنسبة إلى حكم أو حكمين مثلا دون غيرها ، بل الممكن حصوله بالنسبة إلى طائفة كثيرة من المسائل ـ لها نوع ارتباط في السهولة أو غيرها ـ دون غيرها.
المقام الثاني : في جواز الاجتهاد في بعض المسائل فقط على تقدير حصول العلم بما هو مناط الاجتهاد فيه.
والحقّ جوازه ؛ وفاقا للأكثر.
وذهب جماعة إلى المنع (٢).
لنا : أنّه إذا اطّلع على أمارات حكم بالاستقصاء ـ كما هو الفرض ـ فقد ساوى المجتهد المطلق فيه ، وعدم علمه بأمارات غيره لا مدخل فيه ، فكما يجوز للمطلق الاجتهاد فيه ، فكذا له.
واورد عليه بأنّ الاعتماد عليه بمساواته للمطلق قياس لا نقول به ؛ لعدم النصّ على علّة في الأصل تكون موجودة في الفرع ، وما جعلوه علّة ـ من الاطّلاع على أمارات الحكم بالاستقصاء ـ فلعلّه لم يكن علّة في الأصل ؛ لفقد النصّ عليها.
ومن الجائز أن يكون العلّة فيه هي اقتداره على استنباط الأحكام كلّها ، بل هذا أقرب
__________________
(١) في « ب » : « معانقة ».
(٢) منهم : الشيخ حسن في معالم الدين : ٢٣٣ ، والشوكاني في إرشاد الفحول ٢ : ٢١٧ ، والوحيد البهبهاني في الرسائل الاصوليّة : ٦٦ ـ ٨٠.