فهنا مقامان :
[ المقام ] الأوّل : في إمكان حصول الملكة بالنسبة إلى بعض المسائل دون بعض ، بمعنى اقتداره على استنباطه على وجه يساوي استنباط المجتهد المطلق.
والحقّ ، أنّ ذلك ممكن ، بل واقع ، فإنّه قد يحصل الاقتدار على نوع خاصّ أو صنف خاصّ من الأحكام ؛ للانس بمداركه والاطّلاع على مآخذه دون نوع أو صنف آخر.
ويرشدك إلى ذلك تجزّي الاقتدار والاستعداد في العلوم الآليّة والعربيّة والطبيعيّة والإلهيّة والشعر والإنشاء والترسّل وغيرها من الصناعات ، والفرق تحكّم. ولعلّ المنكر أخذ التجزّي بمعنى تجزّي نفس القوّة ، لا بمعنى حصولها بالنسبة إلى بعض الأحكام ، ولا بمعنى تجزّي الاجتهاد الفعلي. وسقوطه يعلم ممّا حرّرناه.
فإن قيل : كلّ ما يقدّر جهله ـ من معاضد ، أو معارض ، أو مخصّص ، أو مقيّد ـ يجوز تعلّقه بالحكم المفروض ، فلا يحصل له ظنّ عدم المانع ممّا يعلمه من الدليل.
قلت : المفروض حصول جميع ما يتعلّق بهذا الحكم ـ من الأدلّة بحسب ظنّه نفيا وإثباتا بالأخذ عن مجتهد ، أو تحرير أهل الاجتهاد ـ وضمّ كلّ إلى جنسه ، فيحصل له الظنّ بعدم المانع.
فإن قلت : هذا الفرض في المتجزّي محال ؛ لأنّه لا ينفكّ عن العلم بجميع المدارك ؛ لأنّه قد يكون معارض ما في كتاب الطهارة أو الصلاة مثلا ، أو مخصّصه في كتاب الديات وأمثاله ، فينبغي للمتجزّي أن ينظر إلى جميع الأخبار ، ويمكن أن يكون ما ينافيه من الأدلّة الاصوليّة في كلّ واحد من أبواب كتب الاصول ، فلا بدّ له أن يلاحظ جميع الأبواب ، وعلى هذا يكون محيطا بمدارك كلّ الأحكام.
قلت : الظاهر حصول العلم العادي أو الظنّ بعدم المعارض والمخصّص للمتجزّي بمجرّد الإحاطة بما في الكتب الاستدلاليّة من أدلّة هذا الحكم ؛ إذ أصحابها أهل الاجتهاد على الإطلاق ، ولا يشترط في المتجزّي أزيد من مساواته للمطلق ، ويبعد أن يعثروا على معارض قويّ يمكن أن يختلف لأجله الحكم ولم يذكروه في كتبهم حين الاستدلال. هذا.