ويؤكّده ما ثبت عندنا ـ كما يأتي (١) ـ أنّ لله في كلّ واقعة حكما واحدا واقعيّا ؛ إذ يلزم السعي حينئذ لتحصيله مهما أمكن ، وهو لا يتمّ بدون التمسّك بطريقة أهل الاجتهاد ، وأنّى يمكن بدونه مع ظهور التوقّف وعدم إمكان درك حكم بدون تفريع الفروع وردّها إلى ما أسّسه المجتهدون من (٢) الاصول؟
وكيف لا يكون طريق الاجتهاد حقّا ، مع أنّه ليس إلاّ استنباط الحكم ممّا يثبت حجّيّته من الشريعة من الآيات والأخبار ، أو الإجماع الذي علم دخول قول المعصوم فيه ، أو الدلالة العقليّة التي ثبت حجّيّتها بالشرع ، أو العقل الذي هو حجّة من عند الله ـ كما دلّت عليه الآثار ، ونطقت به الشواهد الواردة من الحجج الأخيار (٣) ـ أو القياس المنصوص العلّة مع العلم بعدم مدخليّة خصوص محلّ الأصل ، وهل التمسّك به (٤) بعد ذلك ليس تمسّكا بقول المعصوم عليهالسلام؟
ثمّ التمسّك في مقام الاستدلال ببعض المسائل الاصوليّة ، والمقدّمات اللغويّة ، والشواهد العرفيّة لأجل توقّفه عليها وعدم إمكان استخراج المسائل بدونها. وقل لي ما لم يثبت أنّ الأمر حقيقة في الوجوب كيف يحكم بأنّ ما يفهم منه يلزم علينا ولا يمكن تركه؟! وما لم يثبت أنّ الجمع المعرّف باللام موضوع للعموم كيف يحكم بأنّه يفيد الاستغراق والشمول؟! وقس عليهما غيرهما ، ففعل المجتهد ليس إلاّ السعي في درك الأحكام من قول الله وقول حججه وإن كان ذلك بمعونة مقدّمات يتوقّف دركه عليها.
فالفرق بين المجتهد من الخاصّة والمجتهد من العامّة أنّ الأوّل يفتي بما فهم من قول المعصوم وإن احتاج فهمه إلى الفكر والنظر ، والثاني يفتي بما يستنبطه من أصل قرّره هو بنفسه.
والتأمّل يعطي أنّها (٥) ليست قاعدة اصوليّة عند الشيعة إلاّ وهي في الحقيقة ملقاة إليهم من
__________________
(١) يأتي في ص ٩٥١ ـ ٩٥٢.
(٢) بيان للموصول.
(٣) راجع وسائل الشيعة ١٥ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح ٦.
(٤) أي بما ثبتت حجّيّته.
(٥) الضمير للحكاية.