الأخبار يروونها بالمعنى ، فربما نقلوها بعبارات قاصرة عن إفادة المرام أو مفيدة لخلافه. وهذا ظاهر من المحاورات العرفيّة ، وربما صدر خلافه منهم غفلة ، كما إذا أرادوا أن يقولوا : « إن خرج الدم من الأيسر فهو حيض ، وإن خرج من الأيمن فهو قرحة » (١) ، فيقولوا عكسه غفلة ، ويمكن أن يكون الاختلاف في هذه الرواية لذلك ، ومن تأمّل في الأخبار يجد أنّ ما يصعب لأجله الاستنباط فيها كثير.
وناهيك في ذلك قول عليّ عليهالسلام في الحديث المشهور الوارد في سبب الاختلاف : « إنّ في أيدي الناس حقّا وباطلا ، وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا ، وعامّا وخاصّا ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، وقد كذب على رسول الله ... » (٢).
وقول الصادق عليهالسلام : « إنّ في حديثنا محكما كمحكم القرآن ، ومتشابها كمتشابه القرآن ، فردّوا متشابهها دون محكمها ، ولا تأخذوا بمتشابهها ؛ فتضلّوا » (٣).
وقوله عليهالسلام : « خبر تدريه خير من عشرين خبرا ترويه ـ إلى أن قال ـ : والله لا نعدّ الرجل من شيعتنا فقيها حتّى يلحن له ، فيعرب اللحن » (٤).
وإذا كان الأمر كذلك ، فالجمع والتوفيق ودرك الحقّ يحتاج إلى قوّة ربّانيّة ، وملكة قدسيّة ، وذوق سليم ، وطبع مستقيم ، كما دلّت عليه أخبارهم.
[ الأمر ] السابع : أكثر الطرق الموصلة إلى الأحكام لا يفيد العلم ؛ لما ذكرنا هنا (٥) ، ولما تقدّم في أوائل الكتاب (٦). نعم ، يحصل العلم عن قليل منها.
وإذا عرفت هذه الامور ، فنقول : يستفاد منها لزوم بذل الجهد وصرف الهمّة في تحصيل العلم أو الظنّ بالأحكام الشرعيّة من أدلّة متعارضة يصعب الاستنباط منها ، ويتوقّف على مقدّمات عقليّة ونقليّة ولغويّة ، ولا يمكن بدون ذلك ، وهذا هو الاجتهاد ، فثبت منها حقّيّته.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢ : ٣٠٧ ، أبواب الحيض ، الباب ١٦ ، ح ١ و ٢.
(٢) الكافي ١ : ٦٢ ، باب اختلاف الحديث ، ح ١.
(٣) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٦١ ، ح ٣٩ ، ووسائل الشيعة ٢٧ : ١١٥ ، أبواب صفات القاضي ، الباب ٩ ، ح ٢٢.
(٤) الغيبة للنعماني : ١٤١ ، ح ٢ بتفاوت.
(٥) تقدّم في ص ٩٠٠.
(٦) تقدّم في ج ١ ، ص ٣٣ ـ ٣٤.