الأئمّة عليهمالسلام وليس فعل مجتهديهم إلاّ التفريع ، فانطبقت طريقتهم على قولهم عليهمالسلام : « علينا أن نلقي إليكم الاصول ، وعليكم أن تفرّعوا » (١).
وأيضا لمّا ثبت أنّه لا طريق إلى العلم بالأحكام غالبا ، فتعيّن الاكتفاء بالظنّ بقضاء الضرورة ، وعدم لزوم التكليف بالمحال ، وانعقد الإجماع على أنّ المعتبر ظنّ المجتهدين الحاصل من الطريقة المتعارفة بينهم دون ظنّ غيرهم ، فثبت بالإجماع حقّيّة طريقتهم ، وفساد طريقة غيرهم.
لا يقال : قضاء الضرورة وسدّ باب العلم يقتضي حجّيّة ظنّ غيرهم أيضا.
لأنّا نقول : بعد رفع الضرورة بحجّيّة ظنّ المجتهد وانعقاد الإجماع على عدم اعتبار ظنّ غيره ، يندفع هذا الكلام.
كيف؟ ولو جاز العمل بكلّ ظنّ ، لكان مثل ظنّ الأطفال والنساء والجهّال حجّة ؛ لعدم الفرق بين الظنون بعد التعدّي عن ظنّ المجتهد.
وأيضا لمّا كان التكليف اليقيني محتاجا إلى البراءة اليقينيّة ، فإذا بذلنا جهدنا واستفرغنا وسعنا ـ على ما هو طريقة المجتهدين ـ وحصّلنا ما هو أقرب إلى الحقّ ، وأحرى بالصواب عند ظنّنا ، كان هو حكم الله في حقّنا ، وقطعنا بالبراءة من العمل به ؛ لأنّ الشارع لا يريد منّا أزيد من ذلك ؛ لأنّه فوق وسعنا.
وأمّا إذا كان دون ذلك فلا يحصل من العمل به اليقين بالبراءة ؛ لاحتمال أن يريد الشارع منّا أزيد من ذلك ؛ لتمكّننا منه.
ثمّ المخالفة مع المجتهدين في طريقهم هذه في موضعين :
الأوّل : في جواز العمل بالظنّ ؛ فإنّ جلّ الأخباريّين ذهبوا إلى عدم جواز العمل به في أحكام الله ، وقالوا : لا بدّ من العلم بها ، وصرّحوا بأنّ الأخبار المدوّنة في الكتب الأربعة تفيد العلم (٢) ، وقد تقدّم تفصيل مذهبهم في ذلك مع إبطاله في أوائل الكتاب (٣).
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ٦١ ، أبواب صفات القاضي ، الباب ٦ ، ح ٥١.
(٢) راجع الفوائد المدنيّة : ٩٠ ـ ١٢٧.
(٣) تقدّم في ج ١ ، ص ٣١ وما بعدها.