[ الأمر ] السادس : استنباط الأحكام وفهمها من كلام الله وكلام حججه في أمثال زماننا ليس شريعة لكلّ وارد ، ولا يطّلع عليه إلاّ واحد بعد واحد ؛ لتوقّفه على جميع ما ذكر وامور أخر ، مع أنّ حجّيّة أكثر الطرق الموصلة مختلف فيها بحيث صارت معركة لآراء الامّة ، والاستنباط من الأخبار في غاية الصعوبة ؛ لأنّها متدافعة ، والتأويلات من الجانبين متعارضة ، وأقوال الطائفة مختلفة ، ووجوه الدلالات متفاوتة ، وأمواج الشبهات متلاطمة ، وأفواج الظلمات متراكمة.
كيف؟ وقد اختلط الصحيح بالسقيم ، وامتزج الاصطلاحات الجديدة بالقديمة بحيث يصعب الامتياز ، ويتوقّف دلالة أكثر الأخبار على المراد على الاستعانة بغيرها بحيث لولاه فهم منها خلاف المراد.
ومن ذلك الأوامر الواردة بعد الحظر الثابت بأدلّة أخر ، والنواهي الواردة بعد الوجوب الثابت بأدلّة أخر ؛ فإنّ دلالتها على الرخصة تتوقّف على العلم بأدلّة الحظر والوجوب ؛ إذ لولاه فهم منهما معانيهما الحقيقيّة ، ويتوقّف دلالة أكثرها على التمسّك بقول أهل اللغة وأصالة العدم أو البقاء وغير ذلك.
ويتوقّف فهم كثير من الاصطلاحات ومعاني الألفاظ على الممارسة التامّة في الأخبار والألسن بها (١) ، ولا تعرف بمجرّد ملاحظتها.
وأيضا جلّ الأحكام الشرعيّة والكيفيّات الدينيّة ذوات آداب وحدود وشعب وفروع يتوقّف بعضها على بعض ، ولا يهتدي إلى واحد إلاّ بعد الإحاطة بالكلّ ، وهو يتوقّف على العلم بمجموع الأدلّة المتلاحقة ، ولا يقدر على مثله غير المحقّق المتبحّر ، ومع ذلك احتمال التقيّة في كثير من الأخبار قائم ، فلا بدّ من التثبّت عند كلّ خبر ليعلم أنّه هل خرج مخرج التقيّة أم لا؟
وقد كان أصحاب الأئمّة عليهمالسلام يثبتون عند سماع الأحاديث لذلك حتّى أنّهم لو كانوا يشمّون من خبر رائحة التقيّة ، يقولون لناقله : أعطاك من جراب (٢) النورة ، وكثيرا ما كان نقلة
__________________
(١) أي فيها. والمراد بالألسن التعابير المختصّة بالروايات الواردة فيها. تأمّل.
(٢) « الجراب » : وعاء يحفظ فيه الزاد ونحوه. المعجم الوسيط : ١١٤ ، « ج ر ب ».