انتفى حكم الأصل ، فيبقى حكم الفرع (١).
وجوابه : أنّه لمّا زالت العلّيّة المعتبرة بزوال حكم الأصل زال الحكم مطلقا ؛ لزوال حكمته.
فصل [١٠]
المفهوم ـ سواء كان مفهوم موافقة ، أو مفهوم مخالفة ـ يمكن أن يكون ناسخا ومنسوخا ؛ لأنّه دليل شرعي يثبت به الأحكام ، فلا ريب في جواز نسخه ونسخ الأصل (٢) معا.
وقد اختلفوا في جواز نسخ أحدهما دون الآخر على أقوال ، ثالثها : جواز نسخ الأصل دون المفهوم ، وامتناع العكس.
والحقّ أنّ نسخ كلّ منهما يستلزم نفي الآخر ، ولا يمكن نسخ واحد منهما بدون نسخ الآخر ؛ لأنّ المفهوم لازم للأصل وتابع له ، ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم ، فلا يمكن نسخ المفهوم بدون نسخ الأصل ، ونفي الأصل يستلزم نفي التابع وإلاّ خرج عن كونه تابعا.
والإيراد على الأخير بأنّ دلالة اللفظ على المفهوم تابعة لدلالته على الأصل وليس حكمه تابعا لحكمه ، ولم يحدث شيء إلاّ انتفاء حكم الأصل ، والدلالة الثابتة باقية فيبقى حكم المفهوم ؛ لأنّ متبوعه باق (٣) مندفع بأنّ حكم المفهوم إنّما ثبت من الدلالة على حكم الأصل ، وهي قد انتفت بانتفاء حكم الأصل ، فينتفي الحكم مطلقا.
احتجّ القائل بجواز نسخ كلّ منهما بدون الآخر بأنّ إفادة اللفظ لهما دلالتان متغايرتان ، فجاز رفع كلّ منهما بدون الاخرى (٤).
وجوابه : أنّ التغاير إنّما يدلّ على جواز رفع كلّ من المتغايرين بدون الآخر إذا لم يكن أحدهما مستلزما للآخر ومتبوعا له.
__________________
(١) راجع : الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ١٨١ ، ومنتهى الوصول لابن الحاجب : ١٦٣.
(٢) والمراد بالأصل هنا هو المنطوق.
(٣ و ٤) حكاه ابن الحاجب في منتهى الوصول : ١٦٣.