وأمّا الثاني ، فلأنّه يلزم أن يكون كلّ من الإجماعين على الخطأ ؛ لمخالفته للقاطع.
وأمّا الثالث ، فلأنّه يلزم تقديم غير القاطع على القاطع ، وهو باطل ؛ للعلم بوجوب تقديم الأقوى على الأضعف.
وفيه : أنّه يجري في سائر القطعيّات من آية قطعيّة ، أو سنّة متواترة.
والحلّ أنّه لا فساد في تعارض قطعيّين في حكم مع اختصاص كلّ منهما بزمان ، فالإجماع ما دام ثابتا ليس على الخطأ ؛ لعدم ورود القاطع حتّى يكون مخالفا له ، وبعد وروده يزول ثبوته ، فلا معنى لمخالفته له حينئذ ؛ على أنّ كلّ إجماع ليس قاطعا بل قد يكون ظنّيّا ، وأنّ تقديم القاطع على غيره مطلقا محلّ النزاع ، كما تقدّم (١).
و [ احتجّوا ] على الثاني أيضا بوجوه (٢) :
منها : الإجماع. وحاله كما عرفت هناك (٣).
ومنها : أنّ الإجماع دليل عقلي ، والنسخ لا يكون إلاّ بدليل شرعي.
وفيه : أنّ الإجماع دلالة شرعيّة. أمّا عندهم ، فلأنّ كونه دليلا وحجّة إنّما ثبت من الشرع. وأمّا عندنا ، فلأنّ كونه دليلا باعتبار دخول قول المعصوم فيه.
ومنها : أنّ المنسوخ بالإجماع إن كان قاطعا ، لزم أن يكون على الخطأ ؛ لمخالفته للإجماع ، وإن كان مظنونا ، لزم جواز تقاوم الظنّي وتعارضه للقاطع ، وهو باطل ؛ لأنّ الظنّ بحكم لا يبقى مع القطع على خلافه دليلا يمكنه التعارض والتقاوم معه ، بل انتفى واضمحلّ فلا يثبت به حكم حتّى يتصوّر فيه دفع ونسخ.
وهذا قد ظهر جوابه ممّا تقدّم (٤).
وإذ عرفت ذلك ، تعلم أنّه لا استبعاد في ثبوت إجماع في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ثمّ نسخه بآية أو نصّ منه عليهالسلام ، ولا في ثبوت حكم من القرآن أو السنّة ، ثمّ نسخه بالإجماع.
__________________
(١) أي عدم جواز النسخ بالإجماع.
(٢) تقدّم في ص ٨٨٦.
(٣) تقدّم في ص ٨٨٦.
(٤) تقدّم في ص ٨٨٦.