وقبول القبائل أخبار الآحاد إنّما كان فيما عدا ما ينسخ المتواتر. ولو سلّم فربما كان لحصول العلم بها بالقرائن الحاليّة.
وأنت إذا تأمّلت في أدلّة الفريقين ، تعلم أنّ المعترض على كلّ منهما مستظهر. ولقلّة الفائدة في تلك المسألة نحن لا نبالي بترك الاشتغال عن تحقيقه.
فصل [٨]
الجمهور وأكثر أصحابنا على أنّ الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به غيره.
واحتجّوا على الأوّل بوجوه (١) :
منها : الإجماع ، نقله المرتضى (٢) من أصحابنا ، وبعض العامّة (٣).
وهو في حيّز المنع ؛ فإنّ بعض محقّقي أصحابنا على خلافه (٤).
ومنها : أنّ الإجماع لا يستقرّ إلاّ بعد انقطاع الوحي ، فالكتاب والسنّة متقدّمان عليه ؛ فلا ينسخ بهما ؛ لوجوب تأخّر الناسخ.
وهو أيضا ممنوع ؛ لإمكان استقراره قبله عند الفريقين.
أمّا عندهم ، فلأنّه اتّفاق المجتهدين من هذه الامّة في عصر على أمر ، ويمكن أن يثبت مثل هذا الاتّفاق في عصر النبيّ قبل انقطاع الوحي ، ثمّ ينسخ بآية أو خبر.
وأمّا عندنا ، فلأنّه انضمام أقوال إلى قول لو انفرد لكانت الحجّة فيه ، ولا ريب في حصول مثله في زمان النبيّ صلىاللهعليهوآله ثمّ نسخه بدلالة شرعيّة متراخية.
ومنها : أنّه لو نسخ فإمّا بنصّ قاطع ، أو بإجماع قاطع ، أو بغيرهما ، والكلّ باطل.
أمّا الأوّل ، فلأنّه يلزم أن يكون الإجماع على الخطأ ؛ لأنّه على خلاف القاطع ، وهو محال.
__________________
(١) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٤٥٦ ، والإحكام في أصول الأحكام ٣ : ١٧٣ ، ومنتهى الوصول لابن الحاجب : ١٦٢ ، وتهذيب الوصول : ١٩٥ ـ ١٩٦ ، ومعالم الدين : ١٢٠.
(٢) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٤٥٦ ـ ٤٥٧.
(٣) راجع الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ١٧٣.
(٤) قاله المحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٧٤.