خبر واحد ؛ وإنّ قوله تعالى : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ )(١) نسخ بقوله عليهالسلام : « لا تنكح المرأة على عمّتها ، ولا على خالتها » (٢) ؛ وإنّ التوجّه إلى بيت المقدس كان متواترا ونسخ بخبر الواحد ؛ لأنّ أهل مسجد قبا سمعوا مناديه صلىاللهعليهوآله يقول : « ألا إنّ القبلة قد حوّلت » (٣) فاستداروا وتوجّهوا إلى الكعبة ، ولم ينكر عليهم ؛ وإنّ النبيّ كان يبعث الآحاد لتبليغ الأحكام إلى أهل القبائل ، وكان المبعوث إليهم متعبّدين بقبولها منهم ، وربما كان في تلك الأحكام ما ينسخ متواترا ؛ لأنّه لم ينقل الفرق بين الأحكام المبتدأة والناسخة للواحد والمتواتر (٤).
وأجاب الأكثر عن الأوّل : بأنّ التخصيص بيان وجمع للدليلين ، والنسخ إبطال ورفع.
وربما أجاب بعضهم : بأنّ إجماع الصحابة فرّق بينهما (٥).
وعن الثاني : بأنّ الظنّ لا يساوي القطع ، فلا يعارضه.
وعن الثالث : بالمنع من النسخ المدّعى فيما ذكرتم ؛ لأنّ الآية الاولى لحكاية الحال ، فالمعنى : لا أجد الآن ، والتحريم في المستقبل لا ينافيه حتّى يلزم نسخه.
وأيضا لا يلزم من عدم وجدان التحريم الإباحة الشرعيّة ، بل جاز أن يكون مباحا عقليّا ؛ فالخبر قد حرّم حلال الأصل ولم يرفع حكما شرعيّا حتّى يلزم النسخ.
والآية الثانية ليست منسوخة بالخبر ، بل مخصّصة به ؛ على أنّ التخصيص لم يقع بمجرّد الخبر ، بل لأنّ الامّة تلقّته بالقبول.
وأهل قبا إنّما قبلوا نسخ القبلة بخبر الواحد ؛ لانضمامه بالقرائن المفيدة للقطع ؛ لأنّ منادي الرسول بحضرته على رءوس الأشهاد ، واستماعهم الصياح وارتفاع الأصوات من مسجده ـ لأنّهم كانوا في قربه ـ قرينة صدق عادة. وربما انضمّ إلى ذلك سماعهم من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل ذلك ما يدلّ على تحويل القبلة.
__________________
(١) النساء (٤) : ٢٤.
(٢) سنن البيهقي ٧ : ١٦٥ ، وسنن النسائي ٦ : ٩٧ ، ح ٣٢٩٤.
(٣) مسند أحمد ٤ : ٢٠١ ، ح ١٣٦٢٠.
(٤) قاله ابن الحاجب في منتهى الوصول : ١٦٠.
(٥) راجع الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ١٦١.