ثمّ لا يخفى عليك أنّ الصيغة في كلام أئمّتنا ليست مستعملة إلاّ فيما استعملت فيه في كلام الله ورسوله ، ولا يخالف عرفهم عرف الشرع. وكيف يتصوّر عنهم (١) نقل اللفظ عن معناه الحقيقي لغة وشرعا من دون بيان وإعلام؟!
فما قيل : « المستفاد من تضاعيف أحاديث الأئمّة شيوع استعمالها في عرفهم في الندب بحيث صار من المجازات الراجحة ، المساوية للحقيقة عند فقد المرجّح ؛ فيشكل التعلّق (٢) في إثبات وجوب حكم (٣) بمجرّد ورود الأمر به منهم عليهمالسلام » (٤) ، في غاية الضعف. وكيف يسمع منه دعوى هذه الاستفادة من غير بيّنة وبرهان؟! وأنّى له إثبات ذلك بمجرّد استعمالهم الصيغة في الندب في مواضع أكثرها مع القرينة؟!
إذا تقرّر ذلك فاعلم أنّ فروع هذه المسألة أكثر من أن تحصى. وكيفيّة التفريع ظاهرة.
وممّا يتفرّع على كونها حقيقة في الوجوب عرفا أنّه لو قال رجل لمن يجب عليه إطاعته ـ كالمولى لعبده ـ : افعل كذا ، يجب عليه الامتثال.
فصل [٣]
لمّا كان الأمر ما دلّ على طلب الفعل ، والخبر ما دلّ على وجوده (٥) ، فتشابها من وجه (٦) ، والمشابهة مصحّحة للتجوّز ، فجاز أن يتجوّز لكلّ منهما عن الآخر ، كقوله عليهالسلام : « إذا لم تستحي فاصنع ما شئت » (٧) ، وقوله تعالى : ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ )(٨) ، ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ )(٩).
__________________
(١) في « ب » : « منهم ».
(٢) في « ب » : « التعليق ».
(٣) في « ب » : « حكمه ».
(٤) قاله الشيخ حسن في معالم الدين : ٥٣.
(٥) أي وجود الفعل دون الطلب.
(٦) وهو عبارة عن أخذ مفهوم الفعل في تعريفهما.
(٧) كنز العمّال ٣ : ١٢٢ ، ح ٥٧٨٠. فيه : « إذا لم تستح » ، ومستدرك الوسائل ٨ : ٤٦٦ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب ٩٣ ، ح ٢٠.
(٨) البقرة (٢) : ٢٣٣.
(٩) البقرة (٢) : ٢٢٨.