وكذا الحال في النهي والنفي ، كما يقال : « من لا جناح له فلا يطير » ، وكقوله تعالى : ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ )(١).
وإذا ورد الخبر بمعنى الأمر أو النفي بمعنى النهي ، فثبت لهما ما ثبت لهما من دلالتهما على الوجوب والحرمة لو لم يقم قرينة دالّة على خلافهما على ما اخترناه ، وغيرها (٢) من أحكامهما ، وإلاّ ضاع فائدة إرادتهما منهما. وكونهما مجازين فيهما لا يقدح في ذلك بعد كونهما مرادين.
وقس عليهما عكسهما. وكيفيّة التفريع ظاهرة.
ويتفرّع عليه حرمة مسّ المصحف للآية المذكورة وعدم الالتفات إلى منع دلالة النفي المراد منه النهي على الحرمة.
فصل [٤]
لا خلاف في أنّ صيغة الأمر بعد الحظر أو الكراهة ، أو في مقام مظنّتهما أو تجويزهما ـ كقول السيّد لعبده : « افعل » بعد أن يقول له : « هل أخرج ، أو أنام؟ » أو نحوهما ـ تستلزم رفع ذلك المنع المحقّق أو المحتمل ، لزوما عقليّا. إنّما الخلاف فيما هي حقيقة فيه عند فقد القرينة ، فجماعة من المحقّقين على أنّها للوجوب (٣). وقيل : للإباحة (٤). وقيل : للندب (٥).
احتجّ الأوّلون بأنّ المقتضي موجود والمانع معدوم. أمّا الأوّل ، فلأنّها تفيد الوجوب للأدلّة المتقدّمة. وأمّا الثاني ، فلأنّ ورودها بعد الحظر أو الكراهة لا يدفعه (٦) ؛ لأنّ رفعه (٧) أعمّ من الوجوب ، والعامّ لا ينافي الخاصّ.
__________________
(١) الواقعة (٥٦) : ٧٩.
(٢) كذا في النسختين. والصحيح : « غيرهما » أي الوجوب والحرمة.
(٣) منهم : الفخر الرازي في المحصول ٢ : ٩٦ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٩٧ ، والبيضاوي في منهاج الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٢ : ٢٧٢ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ١٢٤.
(٤) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٩٨ ، وابن الحاجب في منتهى الوصول : ٩٨.
(٥) حكاه الأسنوي عن القاضي حسين في التمهيد : ٢٧١.
(٦) أي لا يدفع الوجوب ولا ينافيه.
(٧) أي رفع المنع.