الباب السابع
في النسخ
اعلم أنّ « النسخ » لغة : الإزالة (١) ، يقال : « نسخت الشمس الظلّ » و « نسخت الريح آثار القدم » أي أزالته. وقد يطلق على النقل ، يقال : « نسخت الكتاب » أي نقلت ما فيه إلى آخر ، ومنه التناسخ في الأرواح ، والمناسخات في المواريث.
والحقّ أنّه حقيقة في الأوّل ، مجاز في الثاني ؛ لأولويّة المجاز على الاشتراك ، وتبادر الأوّل منه دون الثاني عند الإطلاق ، ولأنّ الأوّل ـ وهو الإعدام مطلقا ـ أعمّ من الثاني وهو إعدام صفة وإحداث اخرى ، ووضع اللفظ للأعمّ أولى.
وأمّا في الاصطلاح ، فلمّا اختلفوا في أنّه هل هو رفع الحكم ، أو بيان انتهاء مدّة الحكم؟ فعرّفه الذاهب إلى الأوّل بـ « أنّه رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخّر » (٢).
وعرّفه القائل بالثاني بـ « أنّه بيان انتهاء حكم شرعي بطريق شرعي متأخّر » (٣).
واحتجّ الأوّل : بأنّ الخطاب تعلّق بالفعل ، فلا يعدم لذاته وإلاّ لما وجد ، فعدمه يتوقّف على مقدّم (٤) وهو الناسخ.
واحتجّ الثاني : بأنّه تعالى إن علم الدوام فلا نسخ ، وإلاّ انتهى الحكم لذاته ، وبأنّ الباقي ضدّ الحادث ، فليس رفع الباقي بطريان الحادث أولى من دفع الحادث ببقاء الباقي.
والحقّ أنّه إذا وقع تكليف بفعل ثمّ نسخ بعد ذلك ، فلا ريب في أنّ ثبوته بالنسبة إلى الله
__________________
(١) الصحاح ١ : ٤٣٣ ، « ن س خ ».
(٢) قاله ابن الحاجب في منتهى الوصول : ١٥٤.
(٣) نسبه ابن الحاجب إلى الفقهاء في المصدر.
(٤) كذا في النسختين. والصحيح : « معدم ».