وبين المنطوق والمفهوم لزوم غير بيّن.
وغير خفيّ أنّ المدلول الالتزامي الذي جعلوه مقسما للمنطوق غير الصريح لا ينحصر في اللازم الأخصّ والأعمّ ، بل هو أعمّ من ذلك ؛ فإنّ التتبّع يشهد بأنّ المراد به ما يكون للمعنى الموضوع [ له ] (١) مدخل ما في فهمه بأيّ نحو كان ؛ فربما يفهمه بعض العلماء بمعونة مقدّمات عقليّة قطعيّة أو ظنّيّة جليّة أو خفيّة ، ولا يفهمه أهل اللغة والعرف من حيث إنّهم كذلك ، وقد لا يجتمع إرادته مع إرادة الموضوع له ، مثلا رفع المؤاخذة عن الخطأ والنسيان الموجودين في الخارج ليس لازما لرفعهما في الخارج لا بالمعنى الأخصّ ولا الأعمّ ، ولذا ليس يفهمه اللغوي من حيث [ إنّه ] (٢) لغوي ، ولا أهل العرف ، وإنّما يفهمه من كان عارفا بأنّ المتكلّم الصادق يصدق كلامه في الواقع. ولا يصدق هنا المعنى المطابقي ، وإلاّ لزم كذبه ، فكيف يجعل مثل هذا المعنى مدلولا التزاميّا ، ومنطوقا غير صريح ، ويخرج مفهوم الموافقة والمخالفة من المنطوق غير الصريح ، ويجعل مقابلا له مع أنّ مطلق المفهوم ممّا يفهم من المعنى المطابقي ، وله مدخليّة في فهمه ، ولذا يفهمه أهل العرف واللغة؟!
على أنّ بعضهم ادّعى اللزوم البيّن بين المنطوق والمفهوم (٣) ، وحينئذ يصير حكاية التقابل أشنع.
ثمّ لا ريب في حجّيّة دلالة الالتزام ـ وإن لم تكن من قبيل المفاهيم ـ إذا علم توقّف دلالة اللفظ على اللازم في دلالة الاقتضاء ، وعلم العلّيّة وعدم مدخليّة خصوص الواقعة في دلالة التنبيه والإيماء ، وقطع بكون المدلول الالتزامي لازما في الواقع في دلالة الإشارة ، كأقلّ مدّة الحمل اللازم للآيتين (٤) ، وكذا إذا حصل الظنّ المعتبر بالتوقّف والعلّيّة واللزوم بحيث صار المدلول الالتزامي متبادرا إلى أذهان أهل اللغة والعرف ، وأمّا إذا لم يحصل مثل هذا الظنّ فالحكم بالحجّيّة مشكل. وقد تقدّم تفصيل القول في دلالة الإيماء في القياس (٥).
ويتفرّع على ذلك أنّه إذا قال : « أبرأتك في الدنيا دون الاخرى » ثبتت براءته فيهما ؛ لأنّ
__________________
(١ و ٢) أضفناها للضرورة.
(٣) راجع منتهى الوصول لابن الحاجب : ١٥٢ و ١٥٣.
(٤) تقدّمتا في ص ٨٥٢ ، الهامش ٣ و ٤.
(٥) تقدّم في ج ١ ، ص ٤٤٩.