الثاني : دلالة « الإيماء والتنبيه » وقد تقدّم في باب القياس (١) بحدّه وأقسامه.
الثالث : دلالة « الإشارة » وهو (٢) ما لا يكون مقصودا للمتكلّم ، كدلالة قوله تعالى :
( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً )(٣) ، مع قوله : ( وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ )(٤) على أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر ؛ فإنّه ليس مقصودا للمتكلّم إلاّ أنّه لزم منه. ودلالة قوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ )(٥) الآية ، وقوله : ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ )(٦) إلى قوله : ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ )(٧) على جواز الإصباح جنبا ؛ فإنّه وإن لم يقصد من الآيات ، لكنّه لزم من جواز استغراق الليل بالرفث.
وقد تقدّم مثال آخر له فيما تقدّم (٨). هذا هو التقسيم المشهور بين القوم.
والظاهر ـ كما قيل ـ أنّ المنطوق والمفهوم في تقسيمهم من أقسام المدلول ، وأرادوا من الدلالة في قولهم : « دلالة الاقتضاء » ونحوه المدلول مسامحة (٩).
وقال بعضهم : إنّهما من أقسام الدلالة (١٠) ، وتعسّف (١١) لتطبيق تحديدهما عليها.
ثمّ أنت خبير بأنّه لا بدّ من لزوم ما بين المنطوق والمفهوم ؛ إذ لولاه لم يدلّ عليه ، وانسدّ طريق الفهم ، فالمفهوم أيضا (١٢) مدلول التزامي.
فالظاهر أنّ غرض القوم أنّ اللزوم بين المعنى الموضوع [ له ] (١٣) والمنطوق غير الصريح لزوم بيّن بالمعنى الأخصّ ، وهو ما يلزم فيه تصوّر المدلول الالتزامي من تصوّر الملزوم ، أي الموضوع له لزوما عقليّا ، أو عرفيّا ، أو الأعمّ ، وهو ما يحكم فيه العقل باللزوم بعد تصوّرهما.
__________________
(١) تقدّم في ج ١ ، ص ٤٤٩.
(٢) التذكير باعتبار الخبر.
(٣) الأحقاف (٤٦) : ١٥.
(٤) لقمان (٣١) : ١٤.
( ٥ ـ ٦ ـ ٧ ). البقرة (٢) : ١٨٧.
(٨) تقدّم في ص ٨٣٨.
(٩) قاله القمّي في قوانين الاصول ١ : ١٦٧.
(١٠) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٧٣.
(١١) في هامش « أ » : « بحمل « ما » في الحدّ مصدريّة » أي على المصدريّة.
(١٢) في هامش « أ » : « كالمنطوق غير الصريح ».
(١٣) أضفناها للضرورة.