الثامن : الإجماع ، والحجّة على كونه مخصّصا للعموم ـ مضافا إلى الإجماع ـ : أنّه دليل معتبر قطعي يجب العمل بمقتضاه ، فيجب التخصيص به جمعا بين الدليلين ، وقد وقع التخصيص به ، كتخصيص آية القذف (١) ؛ فإنّها تدلّ على وجوب ثمانين جلدة للحرّ والعبد ، وأوجبوا على العبد نصف الثمانين ، فخصّوها بالحرّ (٢) ، والمخصّص ليس إلاّ الإجماع ؛ لأنّ قوله تعالى : ( فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ )(٣) إنّما ورد في حقّ الإماء ، وقياس العبيد عليها باطل ، ولو سلّم صحّته لم يصلح ناسخا. غاية الأمر أن يكون سندا للإجماع. هذا.
وقد صرّح جماعة بأنّ التخصيص بالإجماع عند التحقيق يكون لتضمّنه نصّا مخصّصا (٤) ، فعمل المجمعين على خلاف العامّ مبنيّ على تضمّنه النصّ المخصّص ، حتّى لو أجمعوا على العمل بخلاف ما هو نصّ من غير عموم ، كان إجماعهم متضمّنا لنصّ ناسخ لذلك النصّ ؛ لامتناع عملهم على خلاف النصّ من غير عثورهم على ناسخ له ، ولذا قالوا : إنّ الإجماع لا يكون ناسخا ، وإنّما الناسخ ما يتضمّنه من النصّ. فما قالوا من أنّ الإجماع يكون مخصّصا ولا يكون ناسخا (٥) ، مجرّد اصطلاح ، مبنيّ على أنّ النسخ لا يكون إلاّ بخطاب الشرع ، والتخصيص قد يكون بغيره من العقل والعرف وغيرهما. وعند التحقيق لا فرق ؛ إذ كلّ من النسخ والتخصيص في الظاهر بالإجماع ، وفي الواقع بما يتضمّنه من النصّ. وعلى هذا ينبغي أن لا يعدّ الإجماع مخصّصا برأسه.
التاسع : الدليل السمعي من الآيات والأخبار. وفي تخصيص كلّ منهما به أو بالآخر يتصوّر أقسام :
[ القسم ] الأوّل : تخصيص الكتاب بالكتاب. والحقّ جوازه مطلقا.
__________________
(١) النور (٢٤) : ٤ : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا ... ).
(٢) حكاه ابن الحاجب في منتهى الوصول : ١٣٢.
(٣) النساء (٤) : ٢٥.
(٤ و ٥) راجع : منتهى الوصول لابن الحاجب : ١٣٢ ، ونهاية السؤل ٢ : ٤٥٩.