ومنعه بعض مطلقا (١).
وفصّل جماعة من العامّة بأنّه إن علم التاريخ فإن كان الخاصّ متأخّرا خصّص العامّ ، وإن كان متقدّما فلا ، بل كان العامّ ناسخا له. وإن جهل التاريخ ، تساقطا ويتوقّف في مورد الخاصّ ويطلب فيه دليل (٢). وإن علم المقارنة ، فبعضهم على أنّ الحكم فيه كالحكم عند العلم بتأخّر الخاصّ (٣). وبعضهم على أنّ الحكم فيه كالحكم عند جهل التاريخ (٤).
لنا : أنّ العامّ والخاصّ دليلان متعارضان ويمتنع العمل بكلّ منهما مطلقا ؛ للزوم التناقض ، وإهمالهما (٥) ؛ لما فيه من إلغاء الدليل الخالي عن المعارض ، والعمل بالعامّ في جميع الصور ؛ للزوم إلغاء الخاصّ بالكلّيّة وهو إبطال للقاطع بالمحتمل ؛ لأنّ دلالة الخاصّ على مدلوله قطعيّة ، ودلالة العامّ على العموم محتملة. فتعيّن العمل بالعامّ في غير مورد الخاصّ ، وبه في مورده.
ولنا أيضا : أنّه لو لم يجز لم يقع وقد وقع كثيرا ، كتخصيص قوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ )(٦) ، وقوله : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ ) إلى ( أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) بقوله : ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ )(٧) وتخصيص قوله : ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ )(٨) بقوله : ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ )(٩).
وأنت خبير بأنّ الآيات إنّما تنتهض حجّة على المفصّل لو ثبت تأخّر العامّة منها عن الخاصّتين.
احتجّ المانع مطلقا بأنّ التخصيص بيان ، والبيان لا يحصل إلاّ بقول النبيّ صلىاللهعليهوآله ،
__________________
(١) حكاه الفخر الرازي عن بعض أهل الظاهر في المحصول ٣ : ٧٧ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٣٤٢ ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : ١٤٦.
(٢) نسبه ابن الحاجب إلى أبي حنيفة والقاضي وإمام الحرمين في منتهى الوصول : ١٢٩.
(٣) نسبه ابن الحاجب إلى بعض الحنفيّة في المصدر.
(٤) نسبه ابن الحاجب إلى بعض آخر من الحنفيّة في المصدر.
(٥) هذا وكذا ما يأتي عطف على فاعل « يمتنع ».
(٦) البقرة (٢) : ٢٢٨.
(٧) الطلاق (٦٥) : ٤.
(٨) البقرة (٢) : ٢٢١.
(٩) المائدة (٥) : ٥.