وإن اختصّ بالامّة ، أو تناولهما كأن يقول : « استقبال القبلة للحاجة حرام عليكم » أو « على كلّ مكلّف » ثمّ استقبل ، فعلى القول بعدم وجوب التأسّي لا يكون تخصيصا ولا نسخا على الأوّل (١) لا بالنسبة إليه ولا إلينا ، ووجهه ظاهر ، ويكون نسخا في حقّه دون الامّة على الثاني ، وسرّه واضح.
وعلى القول بوجوبه لا يكون تخصيصا ولا نسخا في حقّه صلىاللهعليهوآله على الأوّل ؛ لعدم اندراجه تحت الخطاب. إنّما الكلام في كونه تخصيصا ، أو نسخا في حقّ الامّة فقط على الأوّل ، وفي حقّه وحقّ الامّة على الثاني ، فذهب جماعة إلى أنّه تخصيص للحكم في حقّ الامّة على الأوّل وفي حقّ الجميع على الثاني (٢) ، ويجب عليهم العمل بالفعل سواء ثبت التأسّي في ذلك الفعل بدليل خاصّ ، أو في جميع أفعاله بدليل عامّ.
واحتجّوا عليه بأنّ الفعل خاصّ والحكم عامّ ، والعمل بالخاصّ متعيّن (٣).
وأنت خبير بأنّ لزوم العمل بالفعل للجميع نسخ للحكم لا تخصيص له ؛ إذ لا يبقى التحريم حينئذ لا في حقّه ولا في حقّ الغير ، ويرتفع الحكم العامّ بالكلّيّة ، ولا يبقى معمولا به في مادّة ، فلا يكون تخصيصا ، بل نسخا ، فالقائل بوجوب الاتّباع ولزوم العمل بالفعل على الجميع يلزمه القول بكون الفعل ناسخا لا مخصّصا.
ومن قال : إنّه مخصّص فقد غفل ، أو أراد من التخصيص النسخ. وحينئذ يلزم من قول هذه الجماعة إلغاء القول الدالّ على الحكم بالكلّيّة.
وذهب طائفة إلى أنّه إن ثبت الاتّباع في ذلك الفعل بدليل خاصّ فهو نسخ لتحريمه ، وإن ثبت بدليل عامّ في جميع أفعاله ، صار هذا الدليل العامّ مخصّصا بالحكم العامّ (٤) ؛ لأنّ الأوّل أعمّ من الثاني ؛ لدلالته على وجوب متابعته في جميع الأفعال ، واختصاص الثاني ببعضها ، فيخرج هو عن الحكم العامّ دون امّته ، فيجب عليهم مقتضى دليل الاتّباع ، ولا يلزم عليهم
__________________
(١) وهو صورة الاختصاص بالامّة.
(٢) راجع : المحصول ٣ : ٨٢ ، والإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥.
(٣) راجع منتهى الوصول لابن الحاجب : ١٣٢.
(٤) راجع : المستصفى : ٢٧٦ ، والإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٣٥٥.