الخامس : النيّة ، والحقّ جواز تخصيص العامّ وتعميم الخاصّ به (١) ما لم يقم دلالة على خلافه ؛ لأنّ النيّة مؤثّرة في الأفعال ؛ لاعتبارها في العبادات ومعظمها أفعال.
مثال الأوّل : أن يقول : « نسائي طوالق » ويستثني بقلبه واحدة ، أو يقول : « إن لبست الثوب الفلانيّ فأنت عليّ كظهر امّي » ونوى به وقتا مخصوصا ؛ فإنّه يختصّ به ، ويقبل قوله في نيّة ذلك ، أو يحلف أن لا يسلّم على زيد ، فسلّم على جماعة هو فيهم واستثناه بقلبه ، بخلاف ما لو حلف على أن لا يدخل عليه فدخل على قوم هو فيهم واستثناه بقلبه ؛ لأنّ الدخول فعل واحد في نفسه فلا يقبل التخصيص.
ومثال الثاني : أن يحلف أن لا يضربه ، ونوى أن لا يؤلمه ، حنث بكلّ ما يؤلمه من خنق وعضّ وغيرهما ، أو يحلف أن لا يدخل هذا البيت ، وأراد به هجران قوم ساكنين فيه ، فدخل عليهم في بيت آخر ، حنث على ما قيل (٢) ، أو حلفت المرأة أن لا تخرج في تهنئة وتعزية ونوت أن لا تخرج أصلا ، حنثت بخروجها لغيرهما.
السادس : فعله صلىاللهعليهوآله ، كأن يقول : « الوصال في الصوم » أو « استقبال القبلة عند قضاء الحاجة حرام » ، ثمّ يفعل ذلك. وقد صرّح أكثر المسلمين كالإماميّة والحنفيّة والشافعيّة والحنابلة على أنّ العموم يخصّص به ، إلاّ أنّ فيه إجمالا (٣).
والتفصيل أن يقال : إنّ حكم الخطاب إمّا يخصّه ، أو يخصّ الامّة ، أو يتناولهما. وعلى التقادير إمّا يقال بوجوب التأسّي مطلقا ، أو في تلك الواقعة ، أو لا.
فإن اختصّ به كأن يقول : « الوصال حرام عليّ دائما » ثمّ واصل كان ذلك تخصيصا في حقّه ، سواء قيل بوجوب التأسّي أم لا ، وهو في الحقيقة نسخ لتحريمه ؛ لارتفاع حكم العامّ (٤) بالكلّيّة.
__________________
(١) أي بالخامس ، وهو النيّة.
(٢) راجع المغني لابن قدامة ١١ : ٢٨٣.
(٣) راجع : العدّة في أصول الفقه ١ : ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ، والإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٣٥٤.
(٤) أي حكم القول العامّ كما يأتي في ص ٨٠٣.