وعن الثاني بالفرق أوّلا ؛ لأنّ النسخ إمّا بيان انتهاء مدّة الحكم أو رفع الحكم ، وكلاهما ما لا يطّلع عليه عقول البشر بخلاف التخصيص ؛ فإنّ خروج البعض عن الخطاب قد يدركه العقل.
وثانيا : بمنع علّيّة الجامع.
وثالثا : بإبطال أصل القياس بمقطوع اليد ، فإنّ غسلها كان واجبا ، وارتفع الوجوب بقطعها عقلا ، فهو نسخ مستفاد من العقل.
وعن الثالث : بصحّة إرادة الجميع لغة من غير لزوم تخطئة لغة ، وإنّما يلزم الكذب في المعنى ، والحاكم بأنّه كذب يجب الاحتراز عنه بالتخصيص هو العقل دون اللغة ، والخطأ لغة غير الكذب عقلا.
الثاني : الحسّ
مثل : ( وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ )(١) ، فإنّه عامّ يتناول السماء والشمس والقمر والعرش والكرسي. والحسّ يخصّصه ؛ إذ يعلم حسّا أنّه لم تؤت من هذه المذكورات شيئا.
وبعضهم لم يعدّه مخصّصا برأسه (٢) ؛ لأنّ الحاكم في الحقيقة هو العقل ، وهو آلة له.
الثالث : العادة والعرف الاستعمالي ، وهو على قسمين :
أحدهما : أن يغلب استعمال اسم العامّ في بعض أفراده حتّى صار حقيقة عرفيّة. ولا خلاف في تخصيص العموم به ؛ لأنّ بناء المحاورات على الفهم العرفي ، والمفروض تخصيص الاسم بذلك المسمّى عرفا ، كتخصيص « الدابّة » بذوات الأربع بعد كونها في اللغة لكلّ ما يدبّ (٣) ، و « الشواء » باللحم المشويّ بعد كونه في اللغة لكلّ ما يشوى من البيض وغيره (٤) ، و « الدار » و « السقف » و « الشمس » و « السراج » و « الوتد » بالمعاني المتعارفة ،
__________________
(١) النمل (٢٧) : ٢٣.
(٢) قاله المطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٢ : ٤٥٢.
(٣) القاموس المحيط ١ : ٦٧ ، « د ب ب ».
(٤) لسان العرب ١٤ : ٤٤٦ ، « ش. و. ي ».