والحديث (١) القدسي : « كلّكم جائع إلاّ من أطعمته » (٢) ، استثنى المطعمين ، وهم أكثر من غيرهم ، وإجماع فقهاء الأمصار على ثبوت الواحد إذا قال : « له عليّ عشرة إلاّ تسعة » (٣).
فإن قيل : لا يلزم من عدم صحّة تلك العبارة لغة عدم كونه ظاهر الدلالة على استثناء التسعة ، كما لا يلزم من عدم صحّة قولنا : « جاءني أحمد » (٤) عدم دلالته على مجيء أحمد.
قلت : ظهور الدلالة مع عدم الصحّة لغة وعرفا ، لا يصير سببا لثبوت المدلول والأخذ به ، بل السبب له هو الموافقة للّغة أو العرف ، ولذا لو قال : « له عليّ عشرة إلاّ عشرة » يلزم عليه العشرة ويلغو الاستثناء ، وما هو إلاّ لعدم الصحّة لغة لثبوت ظهور الدلالة ، ولو لم يكن ذلك الاستثناء أيضا صحيحا لصار قليل ـ لا أقلّ ـ إلى لزوم العشرة.
احتجّ الخصم بأنّ مطلق الاستثناء على خلاف الأصل ؛ لأنّه إنكار بعد إقرار ، فيقتصر فيه على الأقلّ ؛ لأنّه قد ينسى. وبأنّه يستقبح أن يقال : « له عليّ عشرة إلاّ تسعة وثلثين وربعا » وما هو إلاّ لأنّه استثناء الأكثر (٥).
والجواب عن الأوّل : أنّ الكلام جملة واحدة ، فلا إنكار بعد إقرار.
وعن الثاني : أنّ استقباحه لا يوجب عدم صحّته ، كاستقباح : « له عليّ واحد وواحد » إلى عشرة أو : « له عليّ عشرة إلاّ دانقا ودانقا » إلى عشرين دانقا والمجموع ثلث العشرة ؛ فإنّهما يستقبحان ؛ للتطويل ، مع صحّتهما وفاقا.
وفروع هذه القاعدة كثيرة في أبواب الأقارير والوصايا.
وممّا يتفرّع عليها من غيرهما (٦) أنّه لو قال : « كلّ امرأة لي طالق إلاّ هندا ـ أو ـ إلاّ أنت » ولم يكن له امرأة غيرها ، يقع عليها الطلاق بمقتضاها (٧).
__________________
(١) هذا وما يأتي عطف على المبتدأ وهو قوله : « قوله تعالى ».
(٢) السنن الكبرى ٦ : ٩٣ ، وصحيح مسلم ٤ : ١٩٩٤ ، ح ٥٥ / ٢٥٧٧.
(٣) تقدّم في ص ٧٤٩ ، وحكاه ابن الحاجب في منتهى الوصول : ١٢٥.
(٤) وجه عدم الصحّة هو صرف غير المنصرف ، أو المراد هو فرض عدم الصحّة.
(٥) قاله ابن الحاجب في منتهى الوصول : ١٢٥.
(٦) أي غير الأقارير والوصايا.
(٧) أي بمقتضى القاعدة. وفي « أ » : « بمقتضاهما ».