والسرّ فيه أنّ القرآن نزل منجّما بحسب المصالح ، فيجوز أن يكون الاستثناء غير مصلحة في زمان مصلحة في زمان آخر ، فيقع فيه التأخير إليه ؛ لأنّ (١) الأدلّة المذكورة تدفعهما ، والرواية لم تثبت ، وتغيّر المصلحة بحسب الزمان مشترك بين القرآن وغيره.
ويتفرّع عليه فروع كثيرة :
ومنها : ما لو قال : « له عليّ ألف ـ أستغفر الله أو يا فلان ـ إلاّ مائة ». ولا يخفى عليك جليّة الحال على ما ذكرناه.
وفي حكمه لو وقع مثل هذا الفصل بين الشرط والمشروط ، كقوله : « أنت عليّ كظهر امّي ـ أستغفر الله ـ إن دخلت الدار ».
فصل [٣٥]
الاستثناء المستغرق ـ سواء كان مثل المستثنى منه أو أكثر ـ لغو وفاقا.
والحقّ جواز الأكثر من الباقي حتّى يبقى أقلّ من النصف ، فضلا عن مساويه حتّى يبقى النصف ، وفاقا للأكثر.
وقيل : بمنعهما مطلقا (٢).
وقيل : بمنعهما في العدد خاصّة (٣) ، فلا يجوز : « عشرة إلاّ ستّة أو خمسة » ويجوز : « أكرم القوم إلاّ الجهّال » وهم ألف والعالم فيهم واحد.
لنا : قوله تعالى : ( إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ )(٤) ، استثنى الغاوين وهم أكثر من غيرهم ؛ لقوله : ( وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )(٥) ، وكلّ من ليس بمؤمن غاو ، على أنّ بعض المؤمنين بل أكثرهم غاوون ؛ لأنّ الغاوي من يتّبع إبليس ولو في بعض الأفعال ، فيصير الغاوون أكثر بكثير من غيرهم ، وإذا ثبت جواز الأكثر ، يثبت جواز المساوي بطريق أولى.
__________________
(١) تعليل لقوله : « يعلم ممّا ذكر فساد ما قيل ».
(٢) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٣ : ٣٧ ، والآمدي عن القاضي أبي بكر والحنابلة في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٣١٨.
(٣) نسبه ابن الحاجب إلى ابن درستويه والقاضي في أحد قوليه في منتهى الوصول : ١٢٥.
(٤) الحجر (١٥) : ٤٢.
(٥) يوسف (١٢) : ١٠٣.