وخامسها : أنّه إن لم يحتجّ (١) قبل التخصيص إلى بيان ، فحجّة فيه ، وإلاّ فلا (٢).
وسادسها : أنّه إن كان منبئا عنه (٣) قبل التخصيص فحجّة وإلاّ فلا (٤) ، مثاله : « اقتلوا المشركين » ، فإنّه ينبئ عن الحربي وهو الباقي إنباؤه عن (٥) الذمّي ؛ لأنّهما قسمان أوّليّان للفظ « المشركين » ينتقل الذهن منه إليهما. ويدلّ على كلّ منهما بالتضمّن ، بخلاف ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما )(٦) فإنّه لا ينبئ عن كون المال مخرجا من حرز ، وفي نصاب السرقة ـ وهو الربع ـ ؛ لأنّ لفظ ( السَّارِقُ ) لا يدلّ عليهما بشيء من الدلالات ، ولا ينتقل الذهن منه إلى خصوصهما ، فإذا بطل العمل به في صورة انتفائهما ، لم يعمل به في صورة وجودهما.
والحقّ أنّه حجّة فيما بقي مطلقا ؛ وفاقا للأكثر.
لنا : تناوله للباقي أوّلا ، والأصل بقاء ما كان ، واحتجاج السلف به عليه شائعا ذائعا من غير نكير ، وذمّ العقلاء للعبد بإهمال الكلّ إذا أخرج المولى من المأمور به بعض الأفراد ، وكون أكثر العمومات أو جميعها كذلك ، فلو لم يكن حجّة ، لزم إبطالها جميعا ، وعدم توقّف حجّيّته في بعض الموارد على حجّيّته في البعض الآخر ، وإلاّ لزم الدور أو التحكّم.
واورد عليه بالتزام توقّف كلّ من الطرفين على الآخر ، إلاّ أنّه ليس توقّف تقدّم ليلزم الدور المحال ، بل توقّف معيّة ، فيلزم دور المعيّة وهو جائز (٧).
ولا يرد أنّه لو كان توقّف معيّة ـ كما في المتضايفين ـ لما أمكن تعقّل أحدهما بدون الآخر مع أنّه ممكن ؛ لأنّ توقّف المعيّة في الوجود لا يستلزم توقّفها في التعقّل كما في العلّة المستقلّة ومعلولها ، وفي معلولي علّة واحدة لجهتين متلازمتين.
__________________
(١) أي الباقي ومعناه أنّ الباقي إن كان قدرا متيقّنا من العامّ. والفرق بين هذا والسادس أنّ إرادة الباقي في هذا تعلم من الخارج وفي السادس تعلم من اللفظ.
(٢) راجع : الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٢٥٢ و ٢٥٣ ، وتمهيد القواعد : ٢١٩ ، القاعدة ٨٠ ، والوافية : ١١٧.
(٣) أي إن كان العامّ منبئا عن الباقي أو إن كان الباقي منبئا عنه.
(٤) راجع : الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٢٥٢ و ٢٥٣ ، وتمهيد القواعد : ٢١٩ ، القاعدة ٨٠ ، والوافية : ١١٧.
(٥) « عن » هنا بمعنى « بعد » أي الحربيّ هو الباقي إنباؤه بعد إخراج الذمّيّ.
(٦) المائدة (٥) : ٣٨.
(٧) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٢٥٣.