والجواب : منع القبح بعد نصب القرينة ، أمّا عقلا وشرعا ، فظاهر. وأمّا عرفا ولغة ، فلما يظهر على المتتبّع في موارد الاستعمال ؛ فإنّ العامّ ـ كما ذكرنا ـ لا يستعمل في الواحد المخصوص أوّلا ، بل يستعمل في معناه الحقيقي ، ثمّ بعد الإخراج يتعلّق الحكم به ، ولو لا ذلك لم يصحّ قول القائل : « أكلت كلّ رمّانة في البستان إلاّ الحامض » إذا كان الحلو واحدا ، سواء كان الحامض كثيرا أو قليلا ، مع أنّه صحيح. هذا.
وحجّة القائل الأخير على كلّ من دعاويه تظهر من حجج الأقوال المتقدّمة عليه ، وما نخالفه فيه قد ظهر جوابه ، وما نوافقه فيه لا يفتقر إلى جواب.
إذا عرفت ذلك ، فكيفيّة التفريع أنّه لو قال : « والله لا اكلّم أحدا » ونوى زيدا ، أو « لا آكل طعاما » ونوى معيّنا ، ففي قبوله وجهان. وعلى ما اخترناه يتأتّى القبول ، وكذا لو قال : « نسائي طوالق » وكان له أربع زوجات ، ثمّ قال : « نويت واحدة ».
تذنيب : تقييد المطلق كتخصيص العامّ خلافا ، واختيارا ، واحتجاجا ، وجوابا ، وتفريعا. فعلى ما اخترناه يجوز تقييده إلى واحد.
فصل [٢٦]
العامّ المخصّص بمجمل ، نحو : « هذا العامّ مخصوص » أو « لم يرد به كلّ ما تناوله » ليس بحجّة ، ولا يمكن الاستدلال به وفاقا ؛ إذ ما من فرد إلاّ ويجوز أن يكون هو المخرج ، ومنه قوله تعالى : ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ )(١).
وأمّا المخصّص بمبيّن ، مثل أن يقول : « اقتلوا المشركين » ثمّ ظهر أنّ الذمّيّ غير مراد ، فقد اختلف في كونه حجّة في الباقي على أقوال :
ثالثها : أنّه حجّة في أقلّ الجمع من اثنين ، أو ثلاثة على الرأيين (٢).
ورابعها : أنّه حجّة فيما بقي إن خصّ بمتّصل ، وليس بحجّة فيه إن خصّ بمنفصل (٣).
__________________
(١) المائدة (٥) : ١.
(٢ و ٣) راجع : الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٢٥٢ و ٢٥٣ ، وتمهيد القواعد : ٢١٩ ، القاعدة ٨٠ ، والوافية : ١١٧.