لنا على الأوّل (١) وجوه :
منها : أنّه لو تناول أحد الثلاثة الاول يكون من باب مجاز المشارفة وما يؤول إليه ، وهو آت في فصيح الكلام ومستعمل عند الخاصّ والعامّ. ولو عمّ الحاضرين والغائبين والمعدومين (٢) أو أحدهما يكون تغليبا ، والتغليب مجاز شائع عند أهل اللسان وأرباب البيان ، ومنه قولهم : « أنت وزيد تفعلان كذا ».
والتوضيح ، أنّ الوجدان والاستعمال شاهدان على أنّه يجوز أن يلاحظ أفراد في عنوان ، فإن كان فيها موجود حاضر ، يجعل مخاطبا ومصحّحا لأن يخاطب بتوسّطه من يتّصف حين الوجود بالعنوان بالإمكان أو بالفعل ، على اختلاف الرأيين (٣) وإن لم يكن وقت الخطاب موجودا ، كما إذا أردنا أن نخاطب أمّة النبيّ صلىاللهعليهوآله بأنّ زادنا مباح لمن أكل ، ودارنا مباح لمن نزل ، نقول للحاضرين : أيّها المسلمون إنّ زادنا كذا ودارنا كذا ، فيجعل المسلم عنوانا لملاحظة جميع أفراده.
ومنه : أكثر خطابات الملوك والحكّام ، والوصيّة بالأوامر والنواهي إلى من انتسب إلى الموصي بعدّة بطون ـ وقد وقع ذلك في وصيّة عليّ عليهالسلام (٤) ـ أو إلى كلّ من وصل إليه الوصيّة ، كما وقع من الأولياء والحكماء.
وإن لم يكن فيها موجود حاضر ، يخاطب جميع من لوحظ في ضمن العنوان بواسطته ، كما يفعله المصنّفون من الأمر بالتأمّل والتدبّر وغير ذلك من الخطابات.
ومنها : بعض الآيات ، كقوله تعالى : ( كُنْ فَيَكُونُ )(٥) وقوله : ( لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ )(٦).
ومنها : الأخبار ، وهي كثيرة واردة في موارد مختلفة كلّها يدلّ على المطلوب ، كالدالّة
__________________
(١) أي جواز الاستعمال وصحّته.
(٢) هذا هو القسم السادس وهو : أو الأوّل وكليهما. وقوله : أو أحدهما ، ناظر إلى القسم الرابع والخامس.
(٣) إشارة إلى الاختلاف الموجود بين الفارابي وأبي عليّ بن سينا في أنّ صدق عقد الوضع على الموضوع لا بدّ وأن يكون بالفعل أو بالإمكان.
(٤) نهج البلاغة : ٥٨١ ، الكتاب ٤٧.
(٥) البقرة (٢) : ١١٧.
(٦) الأنعام (٦) : ١٩.