وأمّا قضايا الأعيان وحكايات الأحوال ـ وهي الوقائع الفعليّة التي حكاها الصحابي ـ فليس فيها سوى مجرّد فعله عليهالسلام ، أو فعل الذي يترتّب الحكم عليه.
ويحتمل وقوعه على وجوه متعدّدة ، فلا يعمّ جميعها ؛ لعدم المقتضي ، فيكفي حمله على صورة منها.
ومن أمثلتها ترديد النبيّ صلىاللهعليهوآله ما عزا أربع مرّات في أربع مجالس (١) ، فيحتمل أن يكون قد وقع ذلك اتّفاقا لا أنّه شرط ، فيكفي فيه حمله على أقلّ مراتبه.
وقوله عليهالسلام لأبي بكر : « زادك الله حرصا » (٢) لمّا ركع ومشى حتّى دخل في الصفّ ، فيحتمل أن يكون مشيه غير كثير ، فيحمل عليه ، فلا يبقى حجّة على جواز المشي في الصلاة مطلقا.
وصلاة النبيّ صلىاللهعليهوآله على النجاشي (٣) إن حملت على غير الدعاء ، فيحتمل أن يكون ذلك لأنّه لم يصلّ عليه ، أو لأجل خصوصيّة للنجاشي ، أو لرفع سريره حتّى شاهده النبيّ ، فلا يبقى حجّة على جواز الصلاة على الغائب مطلقا.
فصل [١٥]
ما وضع لخطاب المشافهة ـ نحو : « يا أَيُّهَا النَّاسُ » [ و ] « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » ـ وما فيه الأمر ، وكاف الخطاب وتاؤه ، يطلق على الموجودين الحاضرين في مجلس التخاطب حقيقة بالإجماع.
وأمّا إطلاقه على المعدومين فقط ، أو الموجودين الغائبين عن مجلس التخاطب فقط ، أو كليهما ، أو (٤) الأوّل وأحد الثلاثة (٥) ، ففيه أقوال ، ثالثها ـ وهو الحقّ ـ الجواز على سبيل المجاز دون الحقيقة.
__________________
(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٥٤ ، ح ٢٥٥٤ ، وصحيح البخاري ٦ : ٢٥٠٢ ، ح ٦٤٣٨ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٣٢١ ، ح ٢٢ / ١٦٩٥.
(٢) صحيح البخاري ١ : ٢٧١ ، ح ٧٥٠ ، وسنن النسائي ٢ : ١٢٨ ، ح ٨٦٧ ، وسنن أبي داود ١ : ١٨٢ ، ح ٦٨٣ ـ ٦٨٤.
(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٠ ، ح ١٥٣٤ ـ ١٥٣٨ ، وصحيح البخاري ٣ : ١٤٠٧ ، ح ٣٦٦٤ ، وصحيح مسلم ٢ : ٦٥٦ ، ح ٦٢ / ٩٥١.
(٤) في « ب » بعد قوله : « كليهما » « أو على الجميع ».
(٥) فالأقسام صارت ستّة.