وبالجملة ، قضيّة العموم تقتضي الإيجاب من كلّ فرد إلاّ أن يعارض العامّ معارض من إجماع ، أو عقل ، أو عرف في بعض متناولاته ، فيبقى حجّة فيما عدا ذلك ، وإلاّ فمقتضاه الإيجاب من أقلّ أنواع الجمع.
أمّا الثاني ، فظاهر.
وأمّا الأوّل ، فلأنّ المأمور به حينئذ يفيد الاستغراق ، و « من » يفيد البعضيّة ، فحاصل الآية : أنّه يجب الأخذ من كلّ فرد من أفراد كلّ نوع من أنواع الأموال ، إلاّ أنّه لمّا دلّ الإجماع والعرف على أنّه لا يجب الصدقة في كلّ فرد ـ ولذا لا يجب في كلّ دينار وكلّ درهم ـ خصّ الأموال بكلّ نوع منها ، فيفيد وجوب أخذ الصدقة من كلّ نوع من أنواعها. نعم ، خرج بعض أنواعها بدليل من خارج.
فإن قيل : معنى الجمع العامّ (١) هو المجموع من حيث هو ، أو كلّ واحد من المجموع (٢) لا من الآحاد ، كما صرّح به جماعة (٣) وبنوا عليه أنّ استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع.
قلت : هذا خلاف التحقيق ، وما أوقعهم فيه أنّه قد يوجد قرينة على أنّ المراد من الجمع العامّ المجموع من حيث هو ، لا كلّ الأفراد ، مثل : « هذه الدار لا تسع الرجال » أو نفس الحقيقة ، مثل : « يا هند ، لا تحدّثي الرجال » ، فظنّوا أنّه مدلوله ، وليس كذلك ، بل هذا الحمل خلاف ظاهره ، إلاّ أنّه يصار إليه للقرينة ، كما في غيره ، ولذا يفرّق بين « للرجال عندي درهم » و « لكلّ رجل عندي درهم » ، ولا يفرّق بين ( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )(٤) و « يحبّ كلّ محسن » ، ولا بين ( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ )(٥) و « لأحد من العباد » ؛ لأنّ البراءة الأصليّة في مقام الإقرار قرينة على حمل العموم على خلاف ظاهره ، بخلاف غير مقام الإقرار ؛ لعدم هذه القرينة فيه.
__________________
(١) والمراد به هو الجمع المعرّف باللام أو الإضافة ، نحو الرجال ورجال قريش.
(٢) في « ب » : « الجموع ».
(٣) راجع : المحصول ٢ : ٣٥٦ ، والإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٢٩٧ ، ومنتهى الوصول لابن الحاجب : ١١٨.
(٤) آل عمران (٣) : ١٣٤.
(٥) غافر (٤٠) : ٣١.