فصل [٩]
الفعل المثبت لا يكون عامّا في أقسامه وجهاته ، فإذا قال الراوي : « قد صلّى النبيّ داخل الكعبة » لا يعمّ الفرض والنفل ، فلا يعيّن إلاّ بدلالة.
وإذا قال : « صلّى بعد الشفق » فلا يعمّ الصلاة بعد الشفقين ؛ لأنّ المشترك لا يحمل عند إطلاقه على معانيه جميعا ـ كما عرفت (١) ـ فيتوقّف التعيّن (٢) على دليل.
وإذا قال : « كان يجمع بين الصلاتين » فلا يعمّ جمعهما بالتقديم في وقت الاولى والتأخير في وقت الثانية ، ولا الأزمان ، ليفيد التكرار لغة ، إلاّ أنّ الإنصاف أنّه يفيده عرفا.
وقد ظهرت كيفيّة التفريع من الأمثلة المذكورة.
فصل [١٠]
الحقّ أنّ العطف على العامّ لا يقتضي عموم المعطوف ؛ لأنّه لا يدلّ إلاّ على الجمع الصادق في العامّ والخاصّ. فإن فهم استغراقه من صيغة ، أو العقل ، أو العرف يحكم بالعموم ، وإلاّ فلا. وقد مثّل ذلك بقوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ )(٣) العامّ في كلّ مطلّقة ، مع قوله : ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ )(٤) الخاصّ بالرجعيّة.
وأنت خبير بأنّ هذا المثال غير مطابق ، أمّا أوّلا ، فلأنّ المعطوف هنا يفيد العموم بصيغته ، فعدمه إنّما علم من خارج.
وأمّا ثانيا ، فلأنّه يحتمل أن يكون من باب عطف جملة على اخرى ، لا مفرد على آخر. فمثاله المطابق قول القائل : « عليّ أن اكرم العلماء وفقراء » على القول بعدم إفادة الجمع المنكّر للعموم ، كما هو التحقيق.
ويظهر منه كيفيّة التفريع في أبواب الأيمان ، والنذور ، والوصايا ، وغيرها.
__________________
(١) تقدّم في ص ٧١٦.
(٢) في « ب » : « التعيين ».
(٣ و ٤) البقرة (٢) : ٢٢٨.